ريمان برس - خاص -
على أرصفة الوطن تصطف الأجساد المتهالكة بنفوس مثخنة بالأماني المتطلعة إلى بقايا (رغيف) تستعين به على شراسة جوعا لا يرحم.. أمعاء خاوية ونفوس مترعة وبقايا أجساد متهالكة تتحرك في غسق الليل كأنها أشباح قادمة من عالم أخر..!
يقال الوطن جنة المواطن وعنوان هويته وانتمائه ومصدر عزته وتفاخره، كل هذا يقال ونسمع عنه من آفواه أخرين يتغزلون بأوطانهم ويتفاخرون بانتمائهم الوطني، على شاشات الفضائيات نتابع أحداث الشعوب وتفاعلاتها ونسمع حكايات التنمية والتقدم والتطور التي تعيشها وتخوضها تلك الشعوب كما نسمع قصص الحب وأنشطة( جمعية الرفق بالحيوان).. سمعنا قصة (الباندا) التي تحركت لإنقاذها سربا من الطائرات وعشرات الأطباء والمتخصصين، وقافلة من نشطاء حقوق الحيوان وتابعنا حكاية (الكلب) الذي ورث من صاحبته مائة وعشرين مليون دولار، وقصة (الكلب) الذي أنقذ صاحبته من موت محقق..؟!
تابعنا ولادة (وحيد القرن) في محميات أفريقيا هناك حيث يهتم العالم بحيواناتها ويترك البشر في هذه القارة أطعمة للموت الذي يفتك بهم بالجملة والقطاعي ومن لا يموت بويلات الحروب المفتعلة يموت جوعا وعطشا أو بقنابل طائرات مكافحة الإرهاب..!
وفي محمياتنا ووطننا الكبير نتابع على شاشات التلفزة كل أنواع المنتجات الظرورية والترفيه ونعرف كل أنماط الاستهلاك من خلال الإعلانات التي أصبحت أهم البرامج التي تبثها الفضائيات وكل وسائل الإعلام العربية في وطن نعيش فيه من أجل الأكل والتمتع بأقصى حد ممكن بالحياة ولاشيء يشغلنا غير توفير الطعام وحياة الترف..
أطفالنا بدورهم يتسمرون أمام شاشات التلفزة يتابعون قصص الأطفال الخيالية التي لا علاقة لها بواقعنا ولا بثقافتنا ولا بحضارتنا ولا بتاريخنا وقيمنا ومعتقداتنا، وفي زحمة كل هذه الغوغاء والضوضاء نبحث عن وطن، عن هوية، عن انتمائنا، نتسائل، من نحن؟ وأين نحن؟ وماذا حل فينا؟ وماذا جرى ويجري في هذه الرقعة الجغرافية التي نحسبها وطننا العربي الكبير..؟!
في محمياتنا الوطنية كتب علينا أن نعيش في دائرة الصراعات الأزلية؟ مجبرين على العيش في قلق الأزمات ومربع الحروب والاقتتال الذي لا ينتهي؟!
بعد أن سيطرا علينا اللصوص والقتلة، بعد أن قبلنا أن نسلم لهم رقابنا ومصيرنا وارادتنا طواعية؟
هنا حيث 30مليون مواطن سلموا أنفسهم وقبلوا أن يعيشوا رهائن بيد (الف حرامي وفاسد وقاتل وقاطع طريق وعميل ومرتهن ومرتزق)؟!
نعم.. من يعبثون بناء ووطننا وقدراتنا ويحكمون ويتحكمون بمصيرنا لايزيدوا عن (الف شخص) هم النخبة السياسية والوجاهية والقادة والأعيان ويشكلون مجتمعين (ترويكا صناع القرار) وهم من يصنعون كل شيء في هذه البلاد، من الفساد والأزمات، إلى الحروب وإنتاج الخوف والرعب وصناعة الفقر والجوع، يفعلون كل هذا دفاعا عن الوطن والمواطن وسيادتهما وتقدمهما، يحدث منذ أكثر من ستين عاما..؟!
ستين عاما والسيوف مشرعة والحراب مستلة والبنادق مصوبة وجنازير الدبابات ما انفكت تخطط شوارع مدننا واحيائها، ستين عاما بدأ فيها قتال الجمهوريين ضد الملكين حتى أرتوت البلاد بدماء أبنائها وتلونت سهولها وجبالها وهضابها ووديانها بلون الدم..!
في صراع استمر ولم ينتهي إلا حين انتهى الملكيين والجمهوريين، ثم جاءت مراحل جديدة من الصراعات و الحروب دارت بين( شمال) الوطن ( الإمبريالي _الرجعي) و( جنوبه) ( الاشتراكي التقدمي)..!!
حروب انتهت بواسطات خارجية وتدخلات دولية، لكن وما أن شعر المواطن بقدرا من الأمان حتى تفجرت الصراعات من جديد في أوساط (الاشتراكيين التقدمين) وبين (اليسار الانتهازي) و(اليسار المثالي ) فيما الطرف الآخر المصنف (إمبريالي ورجعي) لم تخفت في سمائه أصوات البنادق ولا دوي المدافع فظلت النيران مشتعلة بين القبائل بحسب طلب النظام الحاكم الذي ما إن كان يشعر بتوجس ماء من قبيلة ماء حتى يسلط قبيلة على قبيلة ولا يتردد في توزيع السلاح والعتاد للقبائل، بل ويمنح أبناء القبائل المتحاربة المنتسبين للقوات المسلحة والأمن إجازات مفتوحة براتب كامل ليشاركوا قبائلهم معاركها ضد بعضها..؟!
تتواصل مسيرة الملهاة والعبث، فتبزغ شمس طال انتظارها هي شمس (الوحدة اليمنية) فرقصنا ابتهاجا بهذا الإنجاز الحضاري والتاريخي وابدينا استعدادنا لتعليم دول العالم المشطرة والمجزأة كيف تتوحد مع بعضها ومنا تعلم(الألمان) وكدنا نعلم (الكوريتين) ولكن للأسف تفجرت في بلادنا حرب (الوحدوين) ضد (الانفصاليين)..؟!
وتوالت الأزمات وتجددت الأحداث، فعاد ( سيف بن ذي يزن) بحلفائه، وعادت (قريش) بتحالفاتها، وعاد (علي) وعاد (معاوية) وعاد (الحسين) وعاد (يزيد) وعادت موقعة ( الجمل ) وعادت (صفين) و(كربلاء) وعاد النكد كل النكد لبلد سميت ب (السعيدة) ولقبت ببلد (الحكمة والإيمان) وهي ليس لها من اسمها نصيب وليس لها علاقة بلقب حملته..؟!
فيما وسائل الإعلام المناهضة لبعضها والمشيطنة بعضها تواصل استعراض بطولات مموليها والقائمين عليها، دون أن تتجاهل تزويدنا عبر اعلاناتها بكل ما أنتجته المصانع العالمية من المتطلبات التقنية والمأكولات وكل الكماليات حتى حفاظات (أوليز الآمنة) والمانعة للتسرب..؟!!
وصراحة كل أطراف الصراع لم تنسى لحظة الوطن والمواطن والتأكيد على أن كل ما يجري في الوطن هو في سبيل الوطن ومن أجل عزته ودولته وسيادته وكرامته واستقلاله، بغض النظر عن المواطن الجائع والمريض والمشرد والنازح واللاجئ والمسجون والمخطوف والمقتول ومن ذهب غرقا في بحار ومحيطات العالم وهو يبحث عن فرصة هروب من وطنه لاوطان الآخرين وان كانوا يهودا ونصاري المهم بلد تكفيه شر ما يجري في وطنه..؟!
فيما يتناسل ويتكاثر المتسولين على الجوالات، ومن لا يتسول تراه وقد تحول إلى بقالة متحركة يبيع كل ما يمكن أن يباع.. دون أن نغفل ثمة متسولين (خمسة نجوم) قد لا نعرفهم ولكنهم موجودين بيننا قد يكون منهم (كاتب هذا المقال) وقد يكون بعضهم أو أحدهم من قراء هذا المقال..؟!
كثيرة هي الوعود التي يطلقها أطراف الصراع للمواطن فهذا يعد بالجنة وبعودة الكهرباء والماء والمرتبات، ولكن بعد إزالة العدوان وإنهاء الحصار.. وذاك يعد بالاستقرار والخلود الأبدي والتنمية والتعمير وفتح المطارات والمواني ولكن بعد التحرير واستعادة الدولة..!!
لكن يبدوا ان كل هذه الوعود قد.. واقول قد تتحقق ولكن بعد أن يلاقي هذا الشعب ربه جائعا عطشانا مقهورا تاركا وطنه مسرحا مفتوحا للمتصارعين الذين عليهم أن يبحثوا لهم من الآن عن شعبا يحكمونه ولو من (الصين) أن هم واصلوا مسيرتهم النضالية المقدسة بالطريقة التي يديروا بها صراعهم ..؟!
لكن وسط كل هذا النكد والصخب نجد حركة عمرانية تزدهر أنا الليل وأطراف النهار، حركة عمرانية تتسع وآسيا وافقيا وحركة تجارية نشطه رغم الكساد ورغم الحرب والحصار ورغم الظروف الاقتصادية القاهرة التي تحذر منها الجهات المسئولة المحلية والدولية..؟!
ونرى من يبحث عن بقايا رغيف واخر يتناول وجباته الثلاث في أرقى المطاعم الفاخرة التي انتشرت في زمان الحرب والحصار، كما انتشرت محلات (القات) الفاخر المكلفة بتزويد مسئولي المرحلة ب(ولعتهم) التي بعضها تكلف صاحبها ما يعادل راتب شهرين لموظف حكومي وراتب شهر لموظف قطاع خاص..؟!
لا نقول هذا بدافع من حسد لاسمح الله، لكنا نقول ما نقول بحثا عن إجابات لتساؤلات تعتمل في وجدان الغالبية الصامته التي تشاهد تناقضا عجيبا.. تناقض لا يوحي بأن ثمة (نصر) قد يأتي لأيا من أطراف الصراع بل يبشرنا بالمزيد من معاناة الناس سوف تخيم، والمزيد من القهر والأنين والجوع والفقر والفاقة، دون أن نجد من يعترض على ما يجري خوفا من (العقاب)..!!
نعم نحن شعب نخشى (عقاب المسئول) ولا نخشى (عقاب الله) سبحانه وتعالى، ونخاف من (حاكم الأرض) ولا نخاف من (حاكم السماء).. لذا سلط الله سبحانه وتعالى علينا من لا يخافه ولا يرحمنا..!!
وعلى قاعدة القول المأثور (كما تكونوا يولي عليكم)..! |