ريمان برس - خاص -
برحيل الشيخ عبد الرحمن محمد علي عثمان فقدت اليمن هامة وطنية وإقامة وجاهية ورجل دولة استثنائي يصعب تعويضه.. فالراحل لم يكن مجرد شخصية وجاهية ورمز قبلي واجتماعي، بل كان شخصية سياسية وطنية وحكيم ورجل إداري يتحلى بصفات إنسانية راقية.. كثيرون قد لا يعرفون الشيخ عبد الرحمن ولا يعرفون شخصيته وقدراته التي مكنته من الإسهام الفعال في إدارة شئون البلاد في أحلك الظروف وأصعب الأزمات، قدرات يعرفها من تقرب من الراحل وشاركه معترك اللحظات الوطنية الحرجة..
في (تعز) ثمة مشكلة يعانيها كل أبناء المحافظة وقد تكون هذه المشكلة حاظرة في أكثر من محافظة، وهي إننا نفتقد رموزنا وكبارنا بعد رحيلهم وبعد أن ندرك فداحة الفراغ الذي تركوه فيما بحياتهم نتعامل معهم ب(ندية) تعبر عن (نرجسية) ثقافية وفكرية وسلوكية تستوطنا ويرى كل منا نفسه قابضا على (عصاء سحرية) تمكنه من تحقيق ما يتطلع إليه بمعزل عن مشورة كبارنا ورموزنا الوجاهية والوطنية الذين يشكلون المرجعية ليس للمحافظة بل للوطن بكل أطيافه..
عرفت الشيخ عبد الرحمن محمد علي عثمان _رحمة الله تغشاه _عن قرب وعرفت مواقفه غير المعلنة من كثير من القضايا الوطنية المصيرية، وشاركته الكثير من هذه المواقف ومنه استمديت الكثير من المعلومات المعرفية التي شكلت قناعتي من مجمل هذه القضايا..
كان _رحمه الله _صادقا وشجاعا وصاحب قرار وموقف، ولم يتردد في كثير من اللحظات الحاسمة أن يعبر عن مواقفه وقناعته بصراحة وشجاعة تثير غضب الكثيرون بما في ذلك الرئيس السابق الشهيد (على عبد الله صالح) _رحمه الله _وبعض من رموز بطانته، الذين كثيرا ما كانوا يؤغلون صدر الرئيس علي الشيخ ويحرضونه عليه، ومع ذلك كان الرئيس (صالح) بمعرفته بقدرات الشيخ يتغاضى وان غضب إدراكا منه بأهمية الشيخ ومكانته الاجتماعية والوطنية، وأهمية الدور المؤثر الذي يلعبه الشيخ علي المسرح الوطني، لم يكن الشيخ عبد الرحمن _رحمه الله _يعشق البروز والظهور الإعلامي ولم يكن من عشاق الشهرة، لكنه يعمل ما يريد بهدؤ وبعيدا عن الأضواء والضجيج، كان أكبر من كل المناصب الرسمية التي شغلها، لكنه كان أيضا دينامو الاستقرار الوطني والاجتماعي، كان وطنيا مخلصا ولم يكن يرتاح لأصحاب الارتباطات الخارجية إقليمية كانت أو دولية ولهذا كان محل رصد وترقب من بعض اللاعبين الخارجيين في الساحة الوطنية الذين كانوا أكثر من يدركوا خطورة الرجل على مصالحهم ونفوذهم..!
ذات يوم كان _رحمه الله _على خلاف مع الرئيس صالح حول بعض القضايا الوطنية، وكان الشيخ قد ترك محافظة الحديدة واعتكف في منزله بالعاصمة صنعاء، وكنت في زيارته في أحدى أيام _الجمعة _التي كانت تجمعنا به في حوش منزله، كنت اعرف دوافع الخلاف من الشيخ وفي ذاك اليوم أبلغني أن الرئيس كلف الاستاذ الشهيد عبد العزيز عبد الغني لإقناع الشيخ بتولي منصب محافظ( لمحافظة تعز) التي كانت يومها تغلى وتشكل قلق للنظام، كان برفقتنا الاستاذ والزميل الراحل عبد الوهاب الموئد _رحمة الله تغشاه _ فأبتسمت من كلام الشيخ الذي سألنا مباشرة عن سر ابتسامتي؟ والطريقة التي عبرت بها؟
وأتذكر أن الاستاذ عبد الوهاب شاركه سئواله..
قلت يا شيخ انت في هذه البلاد أصبح حالك كحال (عنتر بن شداد في قبيلة عبس) حين كانت قبيلته تتنكر له في أوقات السلم وإذا اشتدت الكروب عليهم يبحثون عن بطلهم المنقذ والنظام في بلادنا يغضب منك فإذا حاصرته أزمة ماء وخاصة أن كانت تتعلق بتعز يهرول لعندك طالبا رضاك عنه.. أتذكر أن الاستاذ عبد الوهاب الموئد ضحك يؤمها بصوت عال لفت انتباه بعض مرافقي الشيخ الذين كانوا بعيدين عنا في حوش المنزل، وأردف يؤمها الاستاذ عبد الوهاب بسؤاله.. طه أين درست؟ فأجبته عند (فقيه قريتي المرحوم ناشر محمد العريقي).. فقال كلنا قرأنا عند (الكتاب) لكن من أي جامعة تخرجت؟ رديت عليه من جامعة المرحوم ناشر محمد العريقي؟ فأكد له الشيخ بقوله : طه درس في (المعلامة) ولكنه ثقف نفسه بنفسه.. فعلق الاستاذ عبد الوهاب قائلا : كل هذا يطلع منك يا طه وانت خريج (كتاب القرية) كيف كان الحال سيكون لو تخرجت من جامعة؟
رد عليه الشيخ بقوله لن يكون بهذا الوعي..
ما أريد أن أشير إليه أن أحدا لم يكن بحصافة وبديهية الشيخ عبد الرحمن ولا بشجاعته وصراحته وقدرته على التعامل مع الأزمات ورباطة الجاش في اللحظات الحاسمة، وكان إداريا متميزا وقائدا حكيما عمل على تطوير كل وزارة تولاها وكل محافظة تولى شئونها.
يتبع |