ريمان برس - خاص -
ك ( زنبقة النار) الثائرة المتحفزة لاختراق صخور البرية.. كلهيب ( بركان ثائر)، أو كوردة (جوليت الاقحوانية) و (زهرة الليل) المتعطشة للحرية.. كنت مسكون بالاحلام الجميلة ومثقلا النفس بأجمل الأماني المسكونة بمسامات الجسد..!
في تجاويف النفس المترعة حملت (أحلامي) وفي (جيوب الذاكرة) اخفيت( الأماني) خوفا عليها من التيه والضياع..!
توالت الايام والشهور والسنين، ونحت الزمان على تفاصيل الجسد المثخن بالرحيل ذكرياته.. فأدركت أني ليس أكثر من مسافر ظل في تعاريج الزمان، مسافر يتنقل بين( الفرزات) ما أن يصل إلى (فرزة) ويهبط من حافلة حتى يستقل أخرى باتجاه (فرزة) أخرى في مدينة آخرى .. هذه هي حياتي التي عشتها و اعيشها.. حياة أسابق فيها الزمان و الموت.. حتى أن (موتى) سيأتي متأخرا لأنني سأكون قد سبقته نحو قدري الأبدي..؟!!
يتعلم الإنسان أمورا عديدة في لحظات غريبة دون أن يقصد ذلك، ويدرك إن الحياة لا قيمة لها إن لم تكن دائمًا واقفة قُبالة الموت..!!
كثيرة هي اللحظات التي بدت لي فيها حياتي وكأنها صُدفة فارغة لمْ يكُنْ لها معنى، وأن أخطاء العالم كلّها تلتقي عِندي وفي ذاتي وتستوطن أنسجة أحلامي المجبولة بكل شبق الأمنيات، قبل أن يتلبسني (قرين القهر) ساعيا لإقناعي بأن الحياة كلّها حقيرة، وأضيق من أن تتسع للإنسان ولجوعه معًا..!!
ثمة إشكالية جينيية نعيشها تحاكي( مرض الناعور) الذي يستوطن الشرايين ويخلق حالة من تخثر يجعل الحياة الإمنة شبه مستحيلة، فيما أحلامك المنحوته في تجاويف الوجدان تصبح عرضة لعبث (العسس) الذين ما انفكوا ينصبون (مقاصلهم) ويتخذون من (أمانيك) قرابين لإرضاء (الجلادين) الذين لا يكلون من (التلذذ) باهاتك وتعرية أحلامك والعبث بامانيك..!
قاسية هي الحياة.. لكن الأكثر قساوة منها أن تجد فيها من يصادر أحلامك ويصلبها ومن دمائك يصنع (نخب أنتصاره) متباهيا بقمعك وقهرك والتلذذ بتعذيبك وتحطيم أحلامك وبعثرت أمانيك قبل أكتمال زنبقة تشكلها وبروز أطيافها الملونة بالون( قوس قزح)..؟!
توغل النفس الملهوفة بتاملها تبحث عن مكانها فيك ومكانتك في (وطن) تزعم _مجازا _الانتماء إليه، تنهمك النفس في بحثها _العبثي _ تنتصب أمامها صحراء التيه المجدبة حد التوحش، فتجد أن البحث عن ( وطن) أكثر صعوبة واستحالة من البحث عن (قطرة عرق) سقطت من جبينك في محيط متلاطم الأمواج.. آه.. يا وطن.. ما أبشع فقدانك وما أقسى رحلة البحث عنك أو عن بعظك..!!
أعترف أني منيت نفسي كثيرا بالوطن وحلمت به أكثر ومن أجله أعطيت كل ما يمكن أن يعطيه عاشق لمعشوقته وحبيب لمن يحب.. إذ أنذرت له العمر والحياة والشباب والنفس الإمارة بعشقه، اتذكر لحظات من زمان العشق حين كانت الرغبة بالفعل تمتزج بقدر من الإرادة والعزيمة والإصرار على تبديد سكون الليل وقتامته ونسج أطياف الفجر المأمول، وان كان ثمنها تجمد الدم في العروق رعبا وخوفا وخشية من فشل (المهمة) وليس من (الجلاد)..!!
نعم لم يكن لرد فعل (الجلاد) مكانة تذكر، مهما كان رد فعله.. المهم أن (المهمة) تنجح بعدها يفعل (الجلاد) ما يريد..!
لكن.. الأحلام تتلاقح والأمنيات ورحلة البحث قد تطول والباحثين يتناسلون وشعلة الحرية تتناقلها سواعد الحالمين لتبقى متوهجة وعصية على الإنطفاء..
أرتال من (أخوة المسار والهوية والمصير) تسابقوا على عناق (مقصلة الجلاد) بشموخ الأحلام وعظمة المبادئ والقيم التي حملوها.. قدموا أرواحهم قرابين لمسار طويل وشاق، مؤمنين ب(أن الجبناء لا يخلقون الحرية، والضعفاء لا يصنعون الكرامة، والمترددين لا تقوى أيديهم المرتعشة على البناء)..
أدرك أن هناك من كسرهم القهر وكبلتهم اغلال (السجان) وحدت قساوة الحياة وقبحها من مواصلة السير حتى نهاية النفق المعتم.. لكن تبقى الأحلام تجدد ذاتها بصمت وفي تجاويف الذاكرة تنحت مفردات الأمل سطور الأحلام المتجددة، على يقين بأن الفجر قادم وان طال زمان انتظاره..
ثمة من يقاوم التطلع بالتجذر، ويعالج الانكسارات بزرع المزيد من الآمال على جدران الوعي، مؤمنا بأن طريق البحث عن الوطن الحلم مزروعة بإشواك وألغام وسكاكين وحراب وعرق ودم ومقاصل ومقابر، لكن تبقى حتمية السير فيها قضية وخيار يستوطن ذاكرة الحالمين، الذين قد يتراجعوا.. قد يتعبوا.. قد يتوقفوا للاستراحة المؤقتة.. قد يتواروا عن الأنظار وينزووا بعيدا عن الأنظار، وقد يعتلوا مجبرين راحلة( الجلاد).. كل هذا قد يحدث ..لكن لا يعني هذا نهاية الحلم الذي سيظل فكرة تتناقلها الأجيال..
الخلاصة قد لا تتمحور في نطاق فشلي الذاتي ونهاية تجربة أحلامي، بقدر ما تعبر عن بداية مرحلة وميلاد مسار يتجدد مع تجدد الأجيال الحاملة لفكرة لاتموت وشعلة متقدة لا تنطفي، بل قابلة لمزيدا من التوهج والحياة والاتساع، مع توسع نهم وجشع ( الجلادين).
قد أكون أخفقت في الوصول إلى ما انذرت حياتي من أجله وفي سبيله، لكني وبعد أن صرت أقف مثخن بالآهات على رصيف خريف العمر أكثر ثقة ويقينا بأني تركت خلفي من سيحمل المشوار وقد يفلح ذات زمان وان لم فإن هناك من سيواصل طريقه إلا أن تنتصر إرادة المقهورين وتسقط راية (القراصنة) ومقاصلهم وينتحر جلاديهم، لتشرق راية الحرية خفاقة تعانق باطيافها خد الشمس.. يومها ستتزين السماء بوجوه الحالمين.. وسيأتي هذا الزمن حتما.
صنعاء.. في لحظة تأمل
.
.
. |