ريمان برس - خاص -
تميز الشيخ عبد الرحمن محمد علي عثمان بالكثير من الصفات والمميزات التي تعنون سلوك أي شخصية وطنية وقومية بدءا من الحكمة والحصافة إلى المرونة والدبلوماسية والحزم والصرامة أن تطلب الأمر، فكان إلى جانب دوره الوطني كرجل دولة، وقائد إداري، كان أيضا شخصية اجتماعية وقبلية ومثقف موسوعي وقارئ مطلع على كل جديد يبرز في الوسط الثقافي، وكان محبا للعمل الثقافي ومشجعا لكوادره، وفي هذا ترك خلال قيادته لمحافظة الحديدة الكثير من البصمات التي استوطنت ذاكرة كل منتسبي الوسط الفني والثقافي في المحافظة، كما كان رياضيا ومحبا ومهتما برواد الوسط الرياضي، وهو صديق البيئة وعاشق الطبيعية، وكان يتابع عن قرب مجمل التحولات الوطنية التي شهدتها البلاد خاصة بعد قيام حكومة الوحدة، التي رأي فيها شيخنا الراحل بداية انفراج لانطلاق عجلة التحولات الوطنية بكل جوانبها وإبعادها الحضارية، قبل أن يصطدم بتداعيات (شركاء الحدث)، وخلال إحدى اجتماعات الشركاء وفي ذروة الصراع السياسي بينهما وقف الشيخ عبد الرحمن محمد علي عثمان، ليخاطب بكل شجاعة وصراحة كل من الرئيس صالح ونائبه البيض متسائلا : هل هذه الوحدة هي وحدة الشعب اليمني أم هي وحدتكم انتم الاثنان، فإذا اتفقتم قلتم وحدة وإذا اختلفتم قلتم انفصال، أن الوحدة هي وحدة شعب وليست وحدتكم، والشعب هو صاحب القرار، فدعونا نعود للشعب ونسأله عن رائه.. يؤمها لم يغضب (البيض) وحده من طرح الشيخ بل حتى الرئيس صالح غضب، ومع ذلك لم يكترث لغضبهما وظل متمسكا بمواقفه رافضا فكرة التحشيد الإعلامي والتازيم الإعلامي بين (المؤتمر والاشتراكي)..
خلال أولى الفعاليات التي شهدتها محافظة تعز يؤمها عام 1992 م وأعني به (المؤتمر الجماهيري) الذي انعقد في ديسمبر من ذلك العام بقيادة الشيخ سلطان السامعي اتذكر اني تسألت الشيخ عبد الرحمن عن هذا المؤتمر فرد عليا بقوله :ألم تقراء قول ( البردوني: أول المغني المدوي دندنة)..
كان الشيخ _رحمه الله _يعمل بكل جهده ويحشد العقلاء بهدف إقناع مسعري الأزمة أن يخففوا من حماسهم وان يجنبوا الشعب ويلات قادمة كان الشيخ قد تنباء بخطورتها وكارثتها من خلال مؤتمر تعز الجماهيري الذي قال عنه :الشباب متحمسين للمؤتمر ولديهم رغبة في التغير وعمل حاجة لكنهم لا يدركون مخاطر المتربصين الذين سوف يستغلوا هذا المؤتمر لمزيدا من التصعيد :وفعلا هذا ما حدث يؤمها، وشكل مؤتمر تعز بداية العد التنازلي لأزمة تحولت عام 1994 م لحرب ضروس بين شركاء الوحدة، لتجني ثمرات تلك الجريمة أطراف أخرى كانت تدفع الأحداث باتجاهها منذ واقعة الاستفتاء على الدستور..!
وبالرغم من كون الشيخ عبد الرحمن كان من مؤسسي حزب المؤتمر وعضو لجنته العامة وهي أعلى سلطة قيادية في الحزب الحاكم إلا أنه كان وطنيا ولليمن الأرض والإنسان كان انتمائه، ولذا كان حريص على تواصله الدائم مع كل الأطياف السياسية والحزبية، ويعرف هذا عنه كل النشطاء الذين ارتبطوا به ومن كل الأحزاب والتيارات والأطياف السياسية والفكرية، إذ لم يكون له موقف من أي حزب حتى أولئك الذين كانوا في بعض اللحظات والمواقف يشطحوا بخطابهم ومواقفهم كان يكفي أن يتواصل معهم ويلتقي بهم ويخرجوا من مكتبه أو من ديوانه وقد غيروا مواقفهم ليس تنازلا منهم أو خضوعا بل تقديرا لرؤية رجل صدق مع وطنه ومع كل محبي هذا الوطن وبدافع الحرص على أمن واستقرار الوطن والشعب..
أتذكر أن (ديوانه) في الحديدة أو في ( صنعاء) كانا يستضيفان رموز (المعارضة ومثقفيها) ربما أكثر من رموز (الحزب الحاكم _المؤتمر الشعبي)، وكان رحمه الله يعمل جاهدا ليكون توافقيا إيجابيا يسعى لردم خلافات قد تقودنا والبلاد إلي ما لايحمد عقباه، ومع ذلك فقد حدث ما لا يحمد عقباه، وكانت تلك أولى محطات الإحباط التي خيمت على ذاكرة الشيخ الذي لم يتفاجا لاحقا بكل التداعيات والأزمات لأنه سبق وتنباء بها وبالتالي لم تكن أحداث 2011م وما قبلها وما بعدها مجهولة بنظر الشيخ عبد الرحمن _رحمة الله تغشاه _ واعترف إنه حكي لي قصص وحكايات وإحداث تنباء بها قبل حدوثها تحفظت يومها عن نشرها لعدة أسباب، لكني اليوم وبعد رحيله الذي افزعني مع إن الموت حق وهو قضاء الله ولا راد لقضائيه سبحانه وتعالى إلا أني اعترف ان فقدانه كان صادما لي خاصة و رحيله جاء بعد فترة انقطاع بيني وبينه لقرابة عام كامل شغلتني فيه الدنياء ولم اكون اعتبر هذه الفترة طويلة وكبيرة وتتغير فيها حاجات كثيرة ويحدث فيها الكثير من الأحداث إلا حين تلقيت نباء رحيله _رحمه الله _ لقد كان الشيخ عبد الرحمن وقبل أن اسرد مناقبه الوطنية وصفاته ومميزاته كرجل دولة وهامة اجتماعية ووجاهية، كان أعظم ما فيه من كل هذه الصفات إنه إنسان، يتحلى بكل صفات الإنسانية، ومواقفه الإنسانية ستظل محفورة بذاكرة كل من عرف هذا الرجل وتقرب منه بعيدا عن تقييمات بعض المرجفين الذين عرفوه عبر شاشات التلفزة أو أعمدة الصحف كوزير أو مسئول أو محافظ في هذه المحافظة أو تلك..
يتبع |