ريمان برس - خاص -
في ديسمبر عام 1997م كنت في محافظة (عدن) التي نزلتها بناء على طلب من (بعض أهلي من أبناء قريتي) الذين كان لديهم مشروعا تجاريا تحت التأسيس وكانت هناك مشاكل يواجهونها من البعض وبحكم علاقتي ومهنتي استعان بي (اقاربي) للوقوف بجانبهم، وفعلا نزلت إلى (عدن) وحدث ما حدث لي فيها، المهم أنه وفي تمام الخامسة عصرا من يوم 30 ديسمبر تلقت (زوجتي) اتصالا من أخي يخبرها بوفاة (والدي ) رحمة الله تغشاه واسكنه الجنه والرحمة والخلود للشيخ عبد الرحمن محمد علي عثمان الإنسان ورجل الدولة والشيخ والهامة الوطنية الذي أعطى شعبه ووطنه الكثير.
حين عدت للمنزل أبلغتني (زوجتي) بنباء وفاة والدي، فكان الخير صاعقة حلت على رأس العبد لله وشلت كل كياني وجمدت الدماء بعروقي أستغرفت بعض الوقت لإعادة تمالك نفسي مسلما بقضاء الله وقدره، ثم غادرت المنزل كي أرتب سفري من عدن للقرية في تلك الساعة، تواصلت مع (اهلي وأقاربي) وكانوا متواجدين بالعاصمة صنعاء، الذين لم يبخلوا عليا بعبارات العزاء، ثم ابلغتهم بسفري واحتاجي ( للمال) لمواجهة طلبات الأسرة والموت وان المتوفى هو (والدي) وانا المسئول الأول في العائلة، فابلغوني بأنهم ( سيحاولوا يدبروا لي مبلغ من المال)..!!
انتابني شعور مريب من رد فعلهم، فاتصلت بالشيخ عبد الرحمن _رحمه الله_ وأبلغته بما انا فيه.. تلقيت تعازيه الصادقة، ثم سالني أين أنت الآن في عدن تحديدا؟ ابلغته بمكان تواجدي، بعد قرابة خمسة عشرا دقيقة تقريبا أو أقل وصلني رسول الشيخ عبد الرحمن ولم انتظر رد (اهلي وأقاربي) فغادرت عدن لحظتها إلى القرية لتشييع والدي إلى مثواه الأخير وإقامة المراسيم المعتادة في مثل هذه الحالات.. بعد سنوات حدث الأمر ذاته في وفاة (والدتي) عام 2003 م من قبل الشيخ عبد الرحمن محمد علي عثمان، هذا الهامة الوطنية والقامة الإنسانية السامقة التي سجل خلال مسيرته الوطنية مواقف إنسانية قد لا يدركها البعض لكن من طالتهم هذه المواقف يستحيل أن ينسوها أو ينسوا افضال رجل كانت الإنسانية تستوطن دمه وفكره وكل مشاعره الوجدانية، والمؤسف أن الشيخ عبد الرحمن محمد عثمان، هذا العملاق الذي ترك بصماته على خارطة الوطن وذاكرة المواطن، والإنسان الذي تحلى بكل القيم والأخلاقيات والمشاعر الإنسانية، قد تم قطع مرتباته وحقوقه وكل موازنته المفترض أن يسلموها له كحق طبيعي ومشروع، منذ عام 2015 م، نعم منذ عام 2015 م لم يستلم الشيخ الراحل مرتباته ولم يلتفت إليه لا حكام (سلطة الامر الواقع) ولا حكام (الشرعية) فكلاهما تنكروا للرجل وأنكروا دوره ومكانته _بنظرهم _فقط وصادروا حقوقه حتى في راتبه كرئيس لمجلس الشورى..؟!!
طبعا الشيخ عبد الرحمن أكبر من كل هؤلاء، وكل هؤلاء الحكام _الجدد _ لا يرتقون لمكانة الشيخ عبد الرحمن ودوره ومكانته وتاريخه وسيرته النضالية الوطنية، ولا يتحلون بالصفات الأخلاقية والإنسانية التي يتحلى بها الشيخ رحمة الله تغشاه واسكنه الجنة، وطبعا هو غنيا بقيمه وكرامته ولا يحتاج لأن يستجدي ويطالب أمثال هؤلاء بحقوق مكتسبة، لكن الموقف الذي تعامل به حكام صنعاء وعدن، مع الشيخ موقف غير أخلاقي وغير وطني، ولا يليق بهم اتخاذ مثل هذه المواقف مع هامة وطنية وشخصية وجاهية واعتبارية ونضالية بحجم ومكانة وتاريخ الشيخ عبد الرحمن محمد علي عثمان ، الذي كان بدوره مدركا لحقيقة المتسللين الجدد إلى مفاصل السلطة فتركهم ورحل لقريته معتكفا ومتاملا بصمت للعبث الذي حل بوطنه من قبل شلة من المغامرين الذين لم يراعوا حرمة الوطن والشعب ولا يكترثون بما قد تخلف مغامراتهم من ويلات على الوطن والشعب..!
ناي الشيخ بنفسه عن الخوض في معترك النزيف الدامي،وحافظ على سيرته العطرة وسيرة أسرته النضالية مبقيا صفحته وصفحاتهم نقية بيضاء خالية من كل الشوائب..
ولما لا وهو الذي أنذر حياته وسيرته ومسيرته يذود عن حياض هذا الوطن ويتلمس له وللشعب كل مقومات الأمن والاستقرار، ثم إن رجل بحجم الشيخ عبد الرحمن محمد علي عثمان، وبثقله القبلي والاجتماعي والوجاهي والوطني، من أين له أن يتقبل نزق المغامرين، أو يشاركهم نزقهم خاصة إذا لم يكن فيهم من يقبل الاستماع لصوت العقل والحكمة ويأخذ بنصيحة من خبروا الحياة الوطنية واحداثها، قطعا لم يكن الشيخ نرجسيا بل كان واقعيا حين اعتزل معترك الأفك وهو الذي كان قد خاض معترك العمل الوطني طيلة مسيرته النضالية على أمل أن ينتصر للإرادة الوطنية وكان يتطلع إلى إحداث نقلة نوعية بالحالة الوطنية حتى على مستوى صناع القرار، الذين لم يكونوا جلهم عند مستوى المسئولية التي منحت إليهم، وكان رحمه الله قد شكل مع رفاق مسيرته الاستاذ عبد العزيز عبد الغني _رحمه الله _والدكتور عبد الوهاب محمود _رحمه الله _والدكتور عبد الكريم الإرياني _رحمه الله _والأستاذ محمد سالم باسندوه _أطال الله بعمره _ اقول شكل مع هذه الكوكبة ومع آخرين من الشخصيات الوطنية والوجاهية ما يمكن تسميته بسياج الحكمة الحامي للمسيرة والاستقرار الذين يتدخلون بكل ثقلهم لحظة أن يشعروا بالأخطار المحدقة تخيم على سماء الوطن.
يتبع |