ريمان برس - خاص -
قد يتسائل البعض عن سر تلاشى واختفاء الكثير من الرموز الرأسمالية التعزية، وقد يكون الجواب بأن ما حدث للرموز الرأسمالية حدث أيضا للرموز السياسية والعسكرية، وحدث للرموز الوجاهية والشخصيات الاجتماعية والمشائخية، إذ أن مخطط الاستهداف يبدوا متشابها مع اختلاف المكونات المستهدفة، فيما يبدو كان مخطط (التأكل الذاتي) هو الحاضر في الواجهة وفي الذاكرة، بمعنى أن أبناء تعز ونشطائها ورموزها ووجهائها هم المسئولين عن كل ما حل بهم، كنتاج لخلافاتهم الذاتية، وان لا أحد يمكن أن يكون مسئولا عن كل ما حدث..!
تبرير قد يبدو منطقيا للوهلة الأولى وفيه شيئا من المصداقية، لكن في الحقيقة ليس الأمر كذلك، ولا يمكن الأخذ بهذا التفسير التبريري إلا من قبل أولئك الذين رسموا مخطط الاستهداف بذكاء وحنكة سياسية ودهاء ويحاولون من خلال هذا التبرير تبرئة أنفسهم، مستغلين (غباء أو حماس) نشطاء تعز الذين جعلوا من التحولات الثورية مسرحا لممارسة( جلد الذات) ، ولاشك أن النخب السياسية التعزية ارتكب أخطاء وحماقات حين راحت تتبنى سياسة التعصب الحزبي والايدلوجي وخوض معارك دامية فيما بينهم، ناهيكم عن تبنيهم لمواقف حزبية وفكرية متطرفة نسفوا من خلالها كل الروابط الاجتماعية التي كانت تجمعهم بدءا من تمردهم ضد رموزهم الاجتماعية ووجهائهم وتمسكهم بفكرة التغيير الثوري بمناهجه المتعددة، متجاوزين بهذه السلوكيات كل حقائق الواقع الوطني ومعطياته وتركيباته الاجتماعية ومورثاته الثقافية ، فكان التنكر للرموز الوجاهية والشخصيات الاجتماعية والمشائخية جزءا من( فلسفة التأصيل الثوري) فكان هذا الناشط اليساري الأممي أو القومي يرى أنه لا يمكن له أن يثبت ثوريته وتقدميته إلا أن استهدف تلك الرموز والمرجعيات الوجاهية باعتبارها رموز (رجعية متخلفة) وقد حدث هذا قبل أن تبدأ عجلة التغير بالدوران وقبل أن تتشكل ملامح التحولات الاجتماعية أو تتضح هويتها، وكانت هذه أولى الخطايا الكارثية التي ارتكبتها النخب السياسية والحزبية التعزية والتي مهدت لحدوث حالة اختراق ممنهج للمكونات الاجتماعية التعزية بمختلف طبقاتها، تزامن ذلك مع تبني هذه النخب لأحلام وتطلعات مفرطة وعصية على التحقيق في مجتمع كمجتمعنا اليمني بتنوعه الجغرافي والثقافي والمذهبي، وأيضا تنوعه الفكري والسياسي والذي انعكس سلبا على مسار الثورة والجمهورية والتحولات، إذ سرعان ما برزت الخلافات السياسية والحزبية في أوساط القوى التقدمية أو بالاصح قوي التغير والثورة، وهي الخلافات التي أودت ليس بحياة المختلفين بل وبالثورة والجمهورية واحلام وتطلعات الشعب..؟!
فالثورة اليمنية وخاصة الشق السبتمبري منها، تم النظر إليها من زاويتان مختلفتان، الأولى (الزاوية التعزية) وتطلعاته، والثانية (زاوية صنعاء) وتوجهاتها، وكان لكل النظرتان حساباتها واطيافها المختارة، وكان لكل (زاوية) فلسفتها عن الثورة والجمهورية والكيفية التي يجب أن تكونا عليهما..؟!
بيد أن نجاح الثورة في إسقاط النظام الأمامي، أسقطت كحدث عقدة الخوف من جبروت وطغيان رموز الإمامة، والتي كانت تستوطن رموز الترويكا (القبلية) التي كانت خاضعة بالمطلق لرموز النظام المباد، وكان عليها واجبات ملزمة تجاه تلك الرموز، وهي واجبات مرتبطة بالولاء (المذهبي والطائفي والمناطقي والقبلي) و محكومة بقيم وموروثات ثقافية واعراف وتقاليد وولاءت عصبية مركبة وأيضا محكومة بقانون غير قابل الانتقاص أو الاختراق وهو أن (السلطة والحكم يجب أن لا تخرج من صنعاء) سوا كان النظام ملكيا أو إماميا أو جمهوريا، وسوا كان الحكم يحمل هوية (إسلامية) أو (ماركسية)أو (قومية) أو (علمانية) فإن كل هذه التوصيفات غير مهمة بل المهم أن تبقى (السلطة تنتمي لصنعاء وبيد قبائل الطوق) ولا مانع من تطعيمها ببعض الرموز من خارجها شريطة أن يكونوا مستوعبين هذا القانون المقدس..؟!
(المشير السلال) لم يكون من أنصار هذا القانون وتعز ورموزها أيضا، ولأن سلطة التوازنات فرضت نفسها منذ أول لحظة لانطلاق شرارة الثورة، فقد شكلت الهرولة التعزية المرحبة بالثورة والجمهورية والمتطلعة إلى وطن آمن ومستقر وتقدمي ومتطور، وهي الهرولة التي لم تقف في نطاق النشطاء السياسين والنخب الثقافية والوجاهية بل طالت كل الطبقات والشرائح الاجتماعية بما في ذلك القطاع الرأسمالي والتجاري الذي قدم رموزه من دول القارة الأفريقية ومن جنوب الوطن، ولم يكن لكل الرموز التعزية رغبة تتجاوز انتصار الثورة وترسيخ مفاصل النظام الجمهوري وتحقيق حرية وكرامة اليمنيين دون إستثناء على أسس قانونية ودستورية وفق مبدأ احترام الحقوق والواجبات وتكريس قيم العدل والمواطنة المتساوية،ونبذ كل الموروثات التي كرسها ورسخها النظام الأمامي البائد، هذه المفاهيم الحضارية كانت تشكل أولوية الرؤية التعزية للثورة والجمهورية والدولة ومؤسساتها، فيما كان لدي الطرف الآخر مفاهيم وروى وحسابات أخرى، تقوم على روزنامة من الأعراف والتقاليد المكتسبة..؟!
وفيما كانت النخب الحزبية تتصارع مع ذاتها، كانت الترويكا (القبلية) تترصد هذا الصراع وتضع نفسها حيث تكمن مصالحها، وكما تمكن رأس النظام البائد ( البدر) من الإفلات من قبضة الثوار على يد مجاميع قبلية منهم من كان في موكب الثورة، راحت القوى التقدمية والثورية تستنزف نفسها فاسحة المجال للرموز (القبلية) في إعادة هيكلة الثورة وتفصيل الجمهورية على مقاسها، فكان الانقلاب على المشير السلال نهاية لأحلام الثوار وأهداف الثورة..؟!
وبرحيل المشير السلال عن سدة الحكم زاد المشهد تعقيدا وزادت الخلافات دموية فجاء على إثر هذه التداعيات خيار التخلص من ثوار سبتمبر وأيضا التخلص من الرموز الملكية، واختيار القاضي الإرياني ليكون حل وسط بين (تعز وصنعاء) فيما الثورة والجمهورية أصبحتا برعاية (طرف ثالث) الذي حصل عليهما كنتاج لتلك الخلافات والصراعات التي رافقت ميلاد ومسار الثورة لسنوات خمس ناهيكم عن التدخلات الخارجية التي لعبت دورا في إجهاض التحولات الوطنية اليمنية انطلاقا من حسابات حزبية ضيقة وتدخلات جيوسياسية معقدة..؟!
خلال كل هذه الأحداث كانت الرأسمالية التعزية تعبر عن حضورها وتنشط في مختلف المجالات والجوانب التنموية، وتتطلع للحظة الاستقرار والأمن والسكينة، وتحاول جاهدة عبر بعض رموزها الفاعلين تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع مستغلة علاقتها الشخصية مع رموز الصراع السياسي، وقد نجحت إلى حد ما لكنه النجاح الذي لم يكن إلا بداية لمرحلة استهدافية جديدة هي أشد وطأة على نفوس الحالمين بالوطن والعدالة والمواطنة المتساوية، وخاصة رموز الرأسمالية الوطنية الذين أوجدو ثرواتهم بجهدهم وعرقهم وعصاميتهم، وتجرعوا مرارة الهجرة والاغتراب حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من مكانة على لائحة الرأسمالية الوطنية.. غير أن أحلام هذه الطبقة تعرضت لانتكاسات وعوائق نالت من رموزها وأدت إلى اختفاء الكثير منهم الذين غابوا عن المشهد الاقتصادي لصالح طبقة رأسمالية جديدة برزا رموزها بصورة درامية ليتسيدوا المشهد الاقتصادي الوطني محفوفين بحماية ورعاية رموز نافذة في مفاصل السلطة سياسيين وعسكريين ووجهاء قبليين..؟!
يتبع
[email protected]