ريمان برس - خاص -
السلطة في اليمن (مغنم) وليست (مغرم) ومن يصل إليها يركز أهدافه على خدمة (قبيلته وأهله وعشيرته) بدرجة أساسية ثم يجمعهم حولهم، ويدفعهم لتجميع ما تيسر من( الخدم) حولهم ثم يدفع( الخدم) لتجميع ما تيسر حولهم من( حملة المباخر) الذين مهمتهم تلميع الرابض على مقعد السلطة ومن حوله وهكذا..؟!
هناء حيث يناضل السياسي ليصبح في السلطة أو جزءا، لا ليكون رجل دولة فليس في بلادنا رجال دولة ولم تعرف اليمن رجال دولة بعد عهد( الحمدي) إلا أربعة اثنان توفاهم الله هما الدكتور عبد الكريم الإرياني والدكتور محمد سعيد العطار، وثالث اغتالوه هو الشهيد الاستاذ عبد العزيز عبد الغني والرابع هو الاستاذ محمد سالم باسندوه الذي تعمدوا قتله معنويا ويعيش اليوم بالقاهرة، غير هؤلاء كان هناك ترويكا من الساسة والتجار ممن حضيوا بدعوات الوالدين فصاروا مسئولين وتجار وجمعوا (بين الاختين) وهو محرما عليهم _ السياسة والتجارة _ لكنهم في اليمن حيث لا يفلح فيها غير الحرامية واللصوص والقتلة وقطاع الطرق..؟!
هناء لا يفلح الشرفاء والعصامين ولوا كانوا (علماء ذرة) لوجدوا أنفسهم (شيالين) في احد الأسواق العامة..!
الم تعرفوا قصة الاستاذ الجامعي الذي اشتغل (شيالا) أمام إحدى محلات تجار الجملة في العاصمة؟ ألم تعرفوا حكاية مهندس (صواريخ الأسكود الاستراتيجية خريج الاتحاد السوفييتي بأمتياز مع مرتبة الشرف ) الذي وجدا نفسه يبيع قات في سوق (طور الباحة)؟
الم تعرفوا حكاية المذيع التلفزيوني الشاب والإعلامي المتألق الذي أجبرته الضروف والأحداث أن يمتهن بيع القات في احد أسواق صنعاء؟!
الم تعرفوا كم مبدع هناء مات مقهورا ومعلولا بعد أن انهكه المرض ولم تجد أسرته ثمن علاجه فمات بحسرته لتبقي من بعده أسرته مسكونه بتلك الحسرة كافرة بكل ما يسمى وطن بمن فيه..!
في اليمن فقط من يصل للسلطة والحكم ويقبض على مفاصلهما مع حاشيته يصبح هو الوطن وهو الوصي المطلق على الشعب، وهو من يفكر ويقرر وعلى قطعان (العبيد) الذين هم _ الشعب _ تنفيذ كل ما يصدر من (سماحته وسيادته وفخامته ومعاليه)..؟!
وهناء فقط يصبح المواطن أيا كان تاجرا أو فاجرا عالما أو جاهلا متعلما أو اميا، يصبح كل هؤلاء مجرد (كلافين) قهرا وقسرا وعنوة وبقوة القانون والدستور ومن يعارض كل هذه الأجراءات فهوا (خائن) لله والرسول والوطن والنظام وجب الاقتصاص منه قتلا وتعزيرا أو بالتجويع والتشرد والسجن والإهانة..!
هناء السلطة للأقوي ومن يملك القوة يملك السلطة ومن يملك السلطة تصبح طاعته واجبة والخضوع له دستور والتسليم بخيارته لا تقبل المراجعة والاعتراض، لأنه أصبح (الوطن).. نعم هناء الوطن ليس الأرض ولا الجغرافية ولا الشعب والتراث التاريخي والحضاري، هناء الوطن هو( الحاكم) ومن يقبض على مفاصل السلطة ويصبح (حاكما) يصبح هو الوطن وطاعته واجبه والموت في سبيله فرض عين ومخالفته، تعني مخالفة الله والرسول والدستور والنظام والقانون ، ومن يفعلها يستحق الموت والتنكيل بقوة القانون وبحسب الدستور وكما أمر الله ورسوله..؟!
كان (صالح حاكما) فكان هو الوطن وكم حاكم من أبناء الشعب ورموزه السياسية والفكرية وأصدرا بحقهم أحكام بالإعدام والسجن والطرد والتشرد والتهجير بتهمة (الخيانة الوطنية) وكان في عهده يطلق على (جماعة أنصار الله ب المتمردين والخارجين على القانون)..!
ثم فجأة وصل (أنصار الله للسلطة) وسرعان ما تحول (صالح إلى خائن) وكل رموز نظامه كانوا (خونة)..؟!
عام 1990 م قامت حكومة الوحدة فكان (البيض) ورفاقه وحدويون ثم اختلفوا فقامت حرب صيف 1994 م فانتصر فيها (صالح) وسرعان ما جعل من شركائه في الوحدة (خونة وانفصاليون)..؟!
هذه هي اليمن، وما يحدث فيها لم يحدث في أي رقعة جغرافية من العالم..؟!
لأن ببساطة السلطة في اليمن (مغنم) والحاكم الذي يصل لمقعد الحكم لا يريد أن يكون حاكما وفق التعريف العلمي لدور ومهام الحاكم وخادما للوطن والشعب ، بل يريد تفصيل البلاد على مقاس (القبيلة) ويكون هو (شيخها) وعلى الشعب بجميع شرائحه وطبقاته الاجتماعية وأنشطته القبول والتسليم بهذا المنطق ويكون مجرد (غرام في القبيلة) يلبي دعوات (النكف) متى صدرت من الشيخ الحاكم ..؟!
هناء ساسة ورموز دون إستثناء وفي كل الاتجاهات يتصارعون على (السلطة _المغنم) وكل ما يصدر من أقوال من هنا وهناك ومن هذا الطرف أو ذاك هو مجرد استهلاك لتضليل الرأي العام الذي يقف بين مطرقة هذا وسندان ذاك، هذا الرأي العام الذي لا أحد يحترمه ولا أحدا اخذ رأيه أو سأله عن مطالبه أو على ما يجري بحقه وحق بلاده ، رغم أن الكل يتحدث عنه ويزعم انه معبرا عن أحلامه وتطلعاته في أكبر كذبة وابشع تضليل واستغفال للوعي والذاكرة والقناعات..!!
لكن يبقى الأكثر سوءا من كل هذا، هو تلك المفردات التي يكيلها أطراف الصراع ضد بعضهم والتهم التي يصفون بها بعضهم والممارسات التي يمارسونها بحق الشعب اليمني المغلوب على أمره والذي سلم أمره لله سبحانه وتعالى في تدليل عن حالة الانكسار التي وصلها الشعب جراء دورات العنف وعبثية الصراع ودمويتهم ومحاولة كل طرف فرض وصايته وهيمنته على من يعيشوا تحت سيطرته وفقا لشعار من لم يكن معنا فهوا ضدنا..!!
أن أزمة هذا الشعب وهذه البلاد لم تبدأ في في عام 2014 ولا في عام 2015 م ولا في عام 2011م ولا حتى عام 1978م بل هي أزمة قديمة وقديمة جدا لكن كانت فرصة انتهائها قد لاحت عام 1962م ثم لاحت كبرق خاطف عام 1990م وهما الفرصتان التي كان يمكن اهتبالهما لإقامة دولة ولكن للأسف وكما أخفق هذا الشعب في الأولى أخفق في الثانية وفقد إمكانية وضع مداميك لدولة المواطنة، فراحت (القبيلة) من جهة و(عصابات السمسرة) يشكلون الواقع كما تتطلب مصالحهم فكانت الحصيلة ما نحن فيه اليوم.. وما نحن فيه اليوم يؤسس لمرحلة من الفوضى والعبث سنعيشها ربما حتى نهاية القرن الحالي..؟!
لقد قضي هذا الشعب النصف الأول من القرن العشرين يحلم بالحرية، ثم قضى النصف الآخر يحلم بالمواطنة، ومع نهاية قرن وبداية آخر ها هو الشعب اليمني لا يزل يحلم ولكن هذه المرة الحلم ليس بالحرية ولا بالمواطنة بل يحلم بوطن يعيش عليه آمنا مستقرا وطن خال من الدم والبارود والموت والاحتراب.. ويبدو أن هذا الحلم صار بعيد المنال هو الآخر أن لم يكن ضربا من مستحيل..؟! |