ريمان برس - خاص -
أن الحوار بين البشر سوي على النطاق الاسري أو الاجتماعي والوطني، أو بين الدول ببعضها، هو الوسيلة الوحيدة التي من خلالها تستقر العلاقات وتستقر الحياة وتتسع فرص البناء والتنمية وتعزز العلاقات الإنسانية وعلى مختلف الأصعدة، أن الحوار وتغليبه في حل القضايا أيا كانت هذه القضايا تعقيدا، فأن الأمن والاستقرار سيعم المجتمعات وسيشمل الجميع الذين سيعيشون بحالة من التناغم ويتفرغون لبناء حياتهم ومستقبلهم بعيدا عن التناحر وصناعة الأزمات والاحتراب المجتمعي..
أن الله سبحانه وتعالى وهو الله خالق الدنيا والسماوات والأرض وخالق البشر والشجر والحجر، والجنة والنار وهو القاهر فوق عباده وهو جبار السماوات والأرض وما بينهما وجبار ما نعلم وما لا نعلم، أوصى بالحوار فيما بيننا، وهو سبحانه وتعالى جعل رسالة الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم وارسلهم الي طغاة الأرض تبدأ بالحوار فالنبي إبراهيم عليه السلام بدأ رسالته بحوار (النمرود) وأتباعه وحاور كل الظواهر من الشمس والقمر والنجوم، وحتى ( اصنام النمرود) وأتباعه التي لا تنطق ولكنه عليه السلام سعي من خلال ذلك ليثبت للغافلين عن الله في زمانه انهم يسيرون في طريق الخطاء، ولم يتبراء عليه السلام من والده الا بعد أن بذل جهودا جبارة في إقناع قومه بعبادة الله الواحد الأحد وترك عبادة الاصنام، حتى وصل ليقف أمام الطاغية (النمرود) وحاوره، حتى اغتاظ النمرود من حوار النبي إبراهيم حين سأله نبي الله بقوله (أن الله يأتي بالشمس من المشرق فاتي بها من المغرب، فبهت الذي كفر) واغتاظ وأمر بإحراق نبي الله تجبرا وتكبرا وغطرسة..
وحين طغى (فرعون) وتجبر ونصب من نفسه إلها يعبد ارسل له الله نبيه ( موسى ومعه أخيه هارون) ، وخاطب الله نبيه موسى بقوله (اذهب الى فرعون إنه طغى وقله قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي)، وهكذا بعث الله الأنبياء والرسل الي عباده من المخلوقات الذين طغوا وتجبروا واغتروا فآلهوا أنفسهم ونصبوا من أنفسهم اربابا تعبد من دون الله، متخذا من الحوار لغة تواصل وتفاهم بين مخلوقاته وهو الله الذي إن أراد شيئا فيقول له كن فيكون، وحين بعث الله سبحانه وتعالى اخر الانبياء والمرسلين محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام بعثه هادئيا وداعيا لعبادة الله وتوحيده، وأمره بالحوار والجدل الحسن ومخاطبة عقول العارفين، فإذا كان الله سبحانه وتعالى وهو القادر على كل شيء والصابر على تمرد مخلوقاته رغم قدرته في سحق كل من يتمرد عليه، إلا إنه سبحانه وتعالى اعطي الإنسان فرصة للتفكير ولما لا وهو الخلاق العليم والكريم والعظيم، فماذا لو التزمنا بتعاليمه ونفدنا اوامره وتعاملنا مع بعضنا بمسؤلية واعملنا عقولنا وحاورنا بعضنا واعتمدنا الحوار كلغة فيما بيننا نحل من خلالها مشاكلنا ونعتمد الحوار كأسلوب حضاري تجسيدا لقيمنا الدينية وتعاليم ربنا سبحانه وتعالى الذي ميزنا عن كل مخلوقاته بمنحنا عقول نفكر بها، وحرضنا سبحانه على التفكير وإعمال العقل وتحكيمه، وهذا يتطلب منا التفكير والتأمل واعتماد الحوار اساسا لحل قضايانا، كل قضايانا دون إستثناء بمقدور نا حلها من خلال الحوار إذا امنا وسلمنا بلغة الحوار، وهي لغة العقلاء المؤمنين، لغة الشجعان الموحدين، الذين يؤمنون بربهم ويتبعون سيرة نبيهم الخاتم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، والذي أمره أن (يجادل) أعدائه واعداء الله (بالتي هي أحسن) بل وأكد له بقوله سبحانه (أن الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليا حميم).. سبحانك ربي ما اعظمك لا أله أنت سبحانة انا كنا من الظالمين..
أن ديننا دين حق وعدل ودين علم ومعرفة، ولكنه بالأساس دين حوار، جاء ليخاطب عقولنا قبل قلوبنا، وامرنا بالتفكير وإعمال العقول والتأمل، والابتكار، أن ديننا ليس مجرد ( أيات تتلي) ولا طقوس تؤدي خمس مرات باليوم والليلة، ولا هو مجرد مناسبات نحتفي بها، فكل هذه الطقوس قد لا يكون لها عند الله قيمة أو إثر أن لم نؤمن بالحوار ونتأمل بعمق فيما ورد بكتابه الكريم وما ورد علي أيدي الأنبياء والرسل، والاعظم والأهم ما جاء به رسولنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ومن تبعه بإحسان الي يوم الدين..
لقد حاور رسولنا المصطفى عتاولة المشركين في (قريش) وحادل وحاور أحبار وقساوسة ورهبان، ورد عليهم الحجة بالحجة وفق منطق علمي حاسم، ومعرفة لا يشوبها لغط، نعم حاور كل هؤلاء ولم يكن ينطق عن الهواء بل كان حواره عليه الصلاة والسلام إنما (وحي يوحي) وهذا أكبر تأكيد على أن الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان وفضله على الملائكة المقربين، إنما كرم وأعلى شأن عذا المخلوق وعلمه ما لم يكن يعلم، ومنحه عقل يفكر به ويتأمل من خلاله ويبدع ويبتكر ويعمر الأرض ويطور الحياة اعتماد على العقل الذي زينه به الله.
إذا لنعمل على تفعيل لغة الحوار فيما بيننا وان نؤمن بالحوار كلغة مشتركة تعفينا من ثقافة العنف والكراهية والحقد ومحاولة كل طرف إلغاء الآخر ومصادرة حقه في الحياة والشراكة والتفاعل في نطاق المجتمع الواحد..؟!
أن العفؤ صفة من صفات الله الذي يحب عباده التوابين والمتطهرين والعافين عن الناس حتى في القتل الخطاء فإن العافي عن الفاعل يحضي بمكانة عند الله.
يتبع
8 مارس 2024م |