ريمان برس - خاص -
رمضان شهر التوبة والغفران، شهر نزل فيه القرآن على سيد البشرية محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، وفي رمضان ليلة خير من ألف شهر هي ليلة القدر، ورمضان أعظم الاشهر الذي يكتسي نهاره وليله بنفحات روحانية استثنائية تفوح منها روائح الإيمان، وفي هذا الشهر يصفد الله (الشياطين) و(الفاسدين) أيا كانوا وكانت مستويات فسادهم وتأثيرهم هم أقران الشياطين، والمتعارف عليه في بلادنا أن (الفاسدين) في هذا الشهر يتدثرون بلباس التقوى ومنهم من كان يؤدي العمرة في هذا الشهر أملا من الله أن يغفر لهم ذنوبهم مع ان الله سبحانه وتعالى يغفر لعباده كل الذنوب ما عدا الاشراك بالله والإضرار بالناس وليس هناك أكثر من أضرار فاسد بحقوق الناس والذي يرتقي الي درجة الاشراك بالله..!
يتوهم الفاسدين في بلادنا وما أكثرهم بأن تنازلهم عن فتات ما ينهبوا طول العام سينضف صفحتهم إذا ما قدموه لبعض الغلابة في شهر رمضان، رغم ان الفاسدين لا دين لهم ولا إيمان ولا يكترثوا لا بشهر رمضان ولا بالاشهر الحرم، لأن الفاسد قد بلغ مرحلة من الإدمان يصعب علاجه منه، وإذا لم يمارس مهنته يصعب عليه النوم أو يعيش لحظات سكينة واستقرار، بل يصاب ب (الرازم) والقلق ولا تستقر سكينته إلا أن مارس مهنته التي ادمن عليها وهي الفساد..!
أن الفاسد لا يمكن اصلاحه إلا باجتثاثه وعزله ومنعه من ممارسات اي وظيفة عامة، وإخضاعه لمرحلة علاجية كتلك التي يخضع لها (مدمن المخدرات) اي إدخاله للمصحة، ومصحة الفاسد هي (السجن)..!
مصيبتنا إننا نتحدث عن الفساد ونلعن الفاسدين فيما البلاد غارقة بالفساد والفاسدين ولم يحدث أن عرفنا ومنذ نصف قرن فاسدا تمت محاكمته، أو فاسدا تم عزله، بل شهدنا فاسدين يتم ترقيتهم لمناصب رفيعة أكثر خصوبة للفاسد ليمارس فساده بأريحية وطمأنينة واستقرار..؟!
وثائق وشواهد وشهود وأدلة وبراهين تنشر وتقدم لأصحاب الحل والعقد ومن بيدهم القرار، تثبت وتؤكد فساد (س) أو (ص) من المسؤلين، وصحف تنشر غسيلهم وفضائيات تتحدث عن مؤبقاتهم، ثم نرى هذا الفاسد أو ذاك يرقي الي مرتبة أعلى فإن كان مديرا عاما يصبح وكيلا، ومن كان وكيلا يصبح وزيرا، وفي بعض الاستثنئيات يقفز من مدير عام الي وزير بقدرة فاسد أكبر منه داعم وحاضن لترويكا الفساد والفاسدين..؟!
أن أكثر من ثلاثين مليون يمني يترقبون محاكمة فاسد أو عزل فاسد كما يترقب المسلمين هلال رمضان ولكن هذا لم يحدث وربما لن يحدث لأن الفساد في البلاد أصبح قاعدة وثقافة راسخة وهوية وطنية..؟!
نعم الفساد إليمني أصبح قاعدة وليس إستثناء وبالتالي المستقبل مكفول ومضمون للفاسدين، فيما التقاعد والعزل والتهميش والنكران والتنكر من نصيب الشرفاء الوطنيين الذين لم يروقوا لصناع القرار ولم يتوافقوا مع امزجهتهم وفق نظرية يعتمدها صانع القرار مفادها أن الفاسد من السهل التحكم به وتطويعه وجعله ينفذ ما يريد ويرغب صانع القرار، فيما النزيه والشريف والعصامي الوطني يصعب تطويعه وإخضاعه لرغبة وإرادة صانع القرار..؟!
نعم نشهد تغيرات وتنقل من مرحلة الي أخرى ومن كنف نظام الي كنف اخر، لكن الفاسدين يبقون هم أدوات وأداة التحولات والتنقلات وكما يقول المثل الشعبي (بصل بكل مطبخ) تحتاجه اي طبخة شرقية كانت أو غربية..؟!
هناء فقط أصبح الفساد مفتاح النجاح لأي طامح وراغب في تحسين حياته وحياة أسرته وقبيلته وحاشيته والمقربين منه، فالفاسد هو احمر عين، ورجال، وشاطر، وذكي، ومحنك، وحضه طالع، فيما الشريف والنزيه والوطني الصادق والمحترم الذي لديه ضمير ويخاف الله ويتمنى الخير والتقدم والازدهار لشعبه ووطنه، هذا في عصرنا وفي بلادنا غبي وقليل الحيلة وجاهل ومش حق مسؤلية وليس صاحب قرار..؟!
ومع أن الله لايحب المفسدين إلا أن حكامنا يعشقون الفاسدين وهم اقرب إليهم من حبل الوريد، والمؤسف أن الفاسدين تكاثروا وأتسعت رقعة نفوذهم وسيطرتهم في أزمنة ( الحكام الموحدين) فيما كانت البلاد نظيفة وخالية منهم في أزمنة (الحكام الملحدين)..؟!
نعم في زمن الحكام (الملحدين) لم نعرف الفاسدين ولم نعرف ترفهم وبذخهم وانماطهم الاستهلاكية الترفية، لم نشاهد القصور العامرة والفلل الفاخرة والسيارات الفارهة، وكل هذه المظاهر الترفيه عرفناها في زمن (الموحدين) الذين يسوقون خطاباتهم ليل ونهار عن الحلال والحرام وما يجب أن نفعل وما علينا أن نكون، فيما نحن نحلم ( برغيف خبز)، ونحلم بمن يطعمنا من جوع ويؤمنا من خوف، ويحقق لنا وان قدرا من عدالة تشعرنا بواحدية المواطنة وواحدية الانتماء لوطن استباح الفاسدين كل قدراته واصبح مجرد اقطاعية خاصة بهم وحسب.
25 مارس 2024م |