ريمان برس - خاص -
تبدو اللحظة مثخنة بتراجيديا الأحداث المعبرة عن أنانية وإنتهازية صناعها، الذين يؤغلون في إبتكار الحيل المعبرة عن سلوكيات ذاتية مفعمة بالإنتهازية، يسعى أبطالها إلى تعويض ما لديهم من عقد الشعور بالنقص والدونية والسير الملطخة بعار السلوك، لذا يحاول هؤلاء في لحظة تسلم مهمة ماء أيا كانت رسمية أو خاصة هذه المهمة فأنه سرعان ما يتخذ منها منصة لإثبات ذات سقيمة تعويضا عن عقدة نقص يعيشها ويكتوي ذاتيا بسياطها وتقديم صورة للأخرين تظهره بشخصية مصطنعة، شخصية ليست فيه ولكنه يحلم أن ( يكونها).!
يجزم علماء النفس أن (النرجسية ) عاهة قد تكون قاتلة لصاحبها، فيما (السيكوباتية *) تستوطن النفس البشرية بمستويات متفاوتة، إذ تتشكل في وجدان الفرد بحسب موقعه الاجتماعي وبما لديه من قدرات علمية ومعرفية، فهي عند الشخص العادي تتمحور في علاقته بمحيطه الاجتماعي، لدرجة ان محدودي الوعي والتاثير والعلاقات الاجتماعية، قد يكونوا (سيكوباتيبن) على أسرهم _زوجاتهم واطفالهم _فيمارسوا بحق أسرهم من التصرفات الهمجية والسادية، ما يجعل أسرهم تعيش في رعب وخوف دائمين منهم، تتطور هذه الحالة تماشيا مع المكانة الاجتماعية والموقع الذي يشغله صاحبها في المجتمع، وتزداد تأثيراتها مع أزدياد أهمية المصاب بها في مجتمعه وأهمية الموقع الذي يشغله، فالسياسي مثلا يمارسها بحق زملائه الذين يشكلون معه مجموعة أو كيان يعبر عن قناعتهم الفكرية، ويحاول دائما أن يشعر رفاقه بأنه الفاهم الوحيد والملهم المدرك لكل القضايا ويعطي نفسه حق احتكار القرار وتحريك المجموعة بالاتجاهات التي تلبي رغباته وتحقق أهدافه، و مثله يكون المسؤول أو الوزير الذي يجد نفسه على رأس وزارة يعرف جيدا أن فيها قدرات علمية ومعرفية وكوادر تفوقه فهما وعلما ومعرفة، ومع ذلك يجد (السيكوباتي) المريض نفسه في دائرة اللاوعي يوهم نفسه إنه اعلم من كل هؤلاء وتدفعه نرجسيته إلى تهميش وإهانة كل كوادر مرفقه وتجهيلهم وتهميشهم واعتبارهم (أغبياء) لا يفقهون شيئا ويقدم نفسه بإنه الوحيد العالم والفاهم وبالتالي على الجميع الخضوع له وإطاعة أوامره..؟!
هو يعرف جيدا إنه جاهل وإنه لا يفقه شيئا عن المهام المؤكلة إليه، لكنه لا يرغب أن يعترف بهذه الحقيقة ولا يرغب أن يجلس مع كوادر مرفقه ويستمع وينصت إليهم ويتعلم منهم كيفية التعامل مع مهام هذا المرفق أو ذاك، لإنه فاقد ثقته بنفسه وبقدراته ويعلم جيدا إنه اقل وعي ومعرفة من العاملين تحت رئاسته، ومع ذلك يتمسك بنرجسيته القاتلة والمدمرة ويتقمص شخصية غير شخصيته ليظهر بها، ثم يذهب في تبرير اخفاقاته وفشلة في إدارة مرفقة بخلق الأعذار والأسباب باحثا لها عن شماعات يعلق عليها إخفاقاته، وقد يستعين بأشخاص يقدمهم (ككباش فداء) يغطي بهم نفسه مقابل عوائد وامتيازات وقطعا لن يعجز في الحصول على مثل هؤلاء خاصة إذا كان يعيش في مجتمع محكوم (بنظام التفاهة) حسب المفكر الكندي (الأن دونو) الذي إعاد كل الاختلالات في المجتمعات الحديثة إلى هذا المفهوم (نظام التفاهة) الذي تحرك أنشطته (رعاية) أصحاب المصالح وليس القيم السيادية بابعادها الوطنية والاخلاقية..؟!
رعاية تقدم للمدارس والجامعات والمعاهد ودور العبادة ولبرامج التوعية عبر وسائل الإعلام المقرؤة والمرئية والمسموعة، ومن خلال تكريس الأنماط الاستهلاكية التي تستقطب القاعدة الشعبية إلى مستنقع الثقافة الاستهلاكية، وفي واقع كهذا يجد (السيكوباتين) والنرجسيبن أنفسهم..!
ويمكن وصف هذه المراحل التاريخية بالمراحل (الطفيلية) وهي مرحلة تنتشر فيها الثقافة الهابطة، وتبرز فيها الرأسمالية الطفيلية التي جلبت ثرواتها من الفساد والتهريب والرشاوي ونهب المال العام، ويمكن الاستدلال في هذا بشخص تحصل على (مركبة هدية) واخر قضى نصف عمره يجمع قيمة مركبة، الأول الذي تحصل عليها هدية وبدون جهد يسير بها ويتحرك في كل الاتجاهات دون أن يبالي أو يفكر بأهمية الحفاظ عليها، والآخر الذي تعب واجتهد حتى يصل إليها يعاملها كواحد من العائلة وحريص عليها وعلى سلامتها ويتعامل معها بحنية وهي مجرد مركبة،لكنها تتعمر معه وتخدمه، فيما الآخر سرعان ما يدمرها بطيشه وعدم اهتمامه..؟!
قد يقول القاري ماذا يريد أن يقول الكاتب..؟!
فأقول أن ما أعنيه هو إننا نعيش في كنف (نظام التفاهة).. وأن بعض مسؤلي هذا البلد مرضى ب (السيكوباتية والنرجسية) ولأنهم كذاك قطعا لن يفلح هذا المجتمع ولن يعرف معنى التقدم والاستقرار، ما لم يشهد ثورة ثقافية حقيقية، ثورة تنقله من واقعه العصبوي بما فيه من نوازع وسرديات دينية واجتماعية وقبلية، إلى آخر حضاري تقدمي يؤمن بالإنسان كأساس للتطور والتقدم والتنمية، إنسان يتمتع بكامل حريته ويشعر بمواطنته وبعدالة المجتمع الذي ينتمي إليه،ما لم يتحقق هذا فأن (لصوص) اليوم لا يختلفون عن (لصوص) الأمس، وسيأتي على اثرهم (لصوصا) آخرين سيحلون محلهم ذات يوم وهذا فعل حتمي طالما لا توجد مرجعية ثابته لهذا المجتمع يتعاطى معها المجتمع بقدر من القداسة والاحترام، وهذه المرجعية لن تكون من الأشخاص أيا كانت مكانتهم بل مرجعية يلتف حولها المجتمع بكل أطيافه وعلى الجميع التوصل إلى هذه المرجعية..
5 مايو 2024م..
في لحظة تأمل مفعمة بكل مفردات القهر
* السيكوباتية.. النرجسية
(( تتسم الشخصية السيكوباتية بابتعادها كل البعد عن المعايير والتصرفات الجيدة والاجتماعية، حيثُ تُظهر الشخصية السيكوباتية شذوذاً في أعمال وتصرفات صاحبها، وفي تعامله مع جميع عناصر المجتمع، وهي من الشخصيات التي تؤثر سلباً على الآخرين، ولا تتجاوب مع عناصر البيئة المحيطة، وهي لا تتقبل النصح أو الإرشاد أو التوعية أو التوجيه.. )) |