ريمان برس - خاص -

اعتادت النخب السياسية  الاستعمارية التي ارتبطت بعلاقة مقدسة مع اباطرة الثروة وملاك الشركات العابرة للقارات أن يوظفوا ماكيناتهم الإعلامية الجبارة ومنظماتهم التابعة لأجهزتهم الاستخبارية ومراكز الدراسات الاستراتيجية   الممولة من أصحاب رؤس الأموال والشركات القابضة  على تسويق ثقافة كي الوعي وتظليل الوعي الجمعي الإنساني عن مجمل القضايا الوطنية والقومية والدولية للأخر الحضاري إنتصارا للأهداف المرتبطة بالمصالح الاستعمارية، حيث اعتمدت هذه النخب خطابا أمميا حافلا بالمفاهيم والقيم والأفكار التي تعزز مصالح النخب الاستعمارية ومشغليهم من اباطرة المال وأصحاب الثروة الذين يعتمدون على هذه النخب في تراكم ثرواتهم وديمومة احتكار هم لثروات وقدرات الشعوب الفقيرة..؟!
قضية فلسطين _مثلا _هي نموذج للقيم الاستعمارية التي تؤغل في لي الحقائق وتزوير التاريخ وسجلاته وأحداثه، وموقف الغرب وامريكا من هذه القضية دليلا واضحا على بشاعة القيم والأفكار والأخلاقيات الاستعمارية المتوحشة..!
الحضور الاستعماري المكلف للوطن العربي دفع عواصم الاستعمار الي إبتكار حكاية الكيان الصهيوني وزرعه في قلب الخارطة العربية فلسطين، مانحين له  مبررات دينية وتاريخية ومزاعم  (الوطن القومي _وشعب الله المختار) وهي منظومة أكاذيب فرضها القوي _المستعمر _على الضحية الفقير والمتخلف، ولا اقصد بالفقير _المادي _ولا بالمتخلف _الحضاري _بل اقصد فقير الإرادة والمتخلف السياسي الذي يبهره الآخر الحضاري بأنماطه السلوكية والحياتية والحضارية، ويبهره أكثر حين يتخذ منه سندا لذات مقهورة يرى في الارتماء لحضن هذا الآخر الحضاري  افضل وسيلة حماية مما يتوهمه (اطماع) القبائل المجاورة وان كانت الدماء التي تجري في عروقهم واحدة، إجترارا لقيم (الجاهلية)..؟!
فلسطين لم تكن يوما وطنا قوميا لليهود، واليهود ظلوا على مدى 1400 عاما جزءا من النسيج الاجتماعي العربي قطريا وقوميا ومثلهم كان المسيحيين ولايزالوا، وفي فلسطين عاش المسلم مع اليهودي، مع المسيحي، في حب ووئام، وكأن المسجد، وجواره الكنيسة، وأمامهم الدير، إلا أن أدركت المحاور الاستعمارية أن بقائها في ديار الآخر قد يصبح مستحيلا مع تنامي الوعي الجمعي لسكان البلدان المستعمرة، فيما كان المخطط إيجاد حاكمية تخالف مع كان معتاد منذ دولة بني أمية ثم بني العباس وصولا للدولة العثمانية، إمبراطوريات امتلكت قدرا من السيادة والنفوذ وامتلكت بمقائيس ازمانها قدرات مكنتها من التصدي للأخر الحضاري الطامح في السيطرة واستغلال قدرات وثروات هذا البلدان، فكانت (اتفاقية سايكس _بيكو) ثمرة تفاهم استعماري إستراتيجي، تفاهم اخرج أوروبا من دائرة العنف الذاتي والحروب البينية فيما بينها، أوروبا التي تنتمي شعوبها لقوميات وعرقيات وقبائل متناحرة لايجمعها تاريخ ولا لغة ولا ثقافة ولا دين ولا هوية حضارية، وان حاولت ذات يوم ان تتوحد تحت راية (الصليب) غير إنها فشلت، لكنها في الاخير وجدت ضالتها في (وحدة الهدف) التي شكلها وعززها (وحدة العدو) وهكذا تحولت أوروبا من عدائها البيني إلى الشرق حيث العرب والمسلمين وهذا يحتاج إلى إبتكار حاكمية مخالفة لتلك التي جمعت أقطار الأمة، أي حاكمية نقيضة ومخالفة للحاكمية الأموية والعباسية وما بعدهما وصولا للحاكمية العثمانية..؟!
كانت البداية في عزل كل ما هو إسلامي عن كل ما هو عربي وهذا ما اقدم عليه (اتاتورك) في تركيا الذي كان بمثابة ( حصان طروادة) اسرجه (هرتزل) بأفكاره  وان بعد رحيله، وكما كان (اتاتورك) كان بذات الوقت (الشريف حسين) الذي قاتل الاتراك وثار ضدهم بدعم بريطاني على أمل أن تنصبه بريطانيا ملكا على الأمة العربية  من محيطها لخليجها..؟!
وكما تم خداع (الشريف حسين) وحرم من لقب ملك العرب، حرم (اتاتورك) من الجائزة التي وعد بها وهي جعل تركيا جزءا من أوروبا..؟!
بعد وقوع الكارثة تم مكافئة اتاتورك بمنحه  (لواء الاسكندرون) المقتطع من أراضي سوريا، وجزءا من قبرص التركية، فيما ذهبت قبرص اليونانية لأوروبا، في المقابل تم تأسيس مملكة شرق الأردن للشريف حسين ومنح أولاده العراق وسوريا كممالك تحت قيادتهما ومن ثم تجزئية الخارطة القومية العربية الي دول متعددة لا يجمعها موقف ولا إرادة وان تجمع بينهم كل مقومات الانتماء الواحد من اللغة والتاريخ الي الهوية والدين والجغرافية، لكن كان لابد من إبتكار حاكميات لا يجمعها جامع وفق رغبة المستعمر الذي عزز مؤامراته التقسيمية بزرع الكيان الصهيوني في فلسطين وهكذا ضمن المستعمر وشركاته العابرة للقارات على حماية مصالحه الاستراتيجية في الوطن العربي والعالم الإسلامي وفي قارتي أفريقيا واسيا لان من يسيطر على الخارطة العربية يسيطر على جغرافية النطاقات المجاورة بالفطرة..؟!
28 مايو 2024م
يتبع