ريمان برس - خاص -
استطاعت المنظومة الاستعمارية الغربية تمرير مخططها التأمري ضد أمتنا بدءا من تمزيق الخارطة الجغرافية العربية وتقسيمها إلى كانتونات متناحرة، ثم زراعة الكيان الصهيوني في قلب الخارطة العربية، بعد أن تم إنشاء أنظمة عربية ذات دور وظيفي يخدم المستعمر الأجنبي وأهدافه الاستراتيجية، دون أن نغفل دور الطاقة المكتشفة في منطقة الخليج والعراق، وهذا ما ضاعف من أهمية المنطقة الي جانب موقعها الاستراتيجي الرابط بين الشرق والغرب والجامع بين القارات وما تحتضن من ممرات ومؤاني وطرق بحرية ذات أدوار استراتيجية ولها أهمية في انسياب حركة التجارة الدولية، كل هذه المقومات كانت وراء إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين بهدف تأمين المصالح الاستعمارية في الوطن العربي بمعزل عن كل الشعارات المرفوعة عن (أرض الميعاد واليهود والتوراة وشعب الله المختار) وكل هذه الشعارات مجرد خداع استعمارية لتبرير الاحتلال، غير أن النخب الاستعمارية الغربية تجاهلت أن حركة التاريخ والتقدم الحضاري الإنساني يجعل من الصعب الحفاظ على ديمومة مخططاتهم الاستعمارية بدليل أن أكثر من قرن من الزمن لم يتمكن خلاله المستعمر من جعل العربي الفلسطيني خاصة والعربي عامة ينسى فلسطين وحق شعبها في الحرية والاستقلال، نعم مائة عام مرت علي بدء تطبيق المؤامرة الاستعمارية ميدانيا على الوطن العربي وفلسطين لم ينسى خلالها العربي الفلسطيني حقه في استعادة وطنه وتحريره من براثن الاحتلال بذات الوقت لم ينسى المواطن العربي والمسلم فلسطين المحتلة وان نست الأنظمة الوظيفية عربيا وإسلاميا فلسطين خاصة تلك التي يرتبط وجودها حاضرة على المشهد الإقليمي والدولي بغياب دولة فلسطين وان حضور دولة فلسطين تعني نهاية هذه الأنظمة الوظيفية وهذا ما تجسد مؤخرا من خلال معركة طوفان الأقصى التي لم تقف نيرانها في نطاق الاحتلال الصهيوني بل امتدت الي اوكار المستعمرين والي دهاليز الأنظمة الوظيفية التي تشعر بالخوف والذعر من انتصار المقاومة في فلسطين ربما ما يفوق ذعر ورعب الاحتلال الصهيوني ورعاته..؟!
خلال أكثر من سبعين عاما استطاع الاستعمار الحفاظ على كيان الاحتلال من خلال منحه كل ممكنات القدرة والتفوق على أنظمة المنطقة، إلى جانب تمكن الاستعمار برعاية أمريكا من تطويع أنظمة المنطقة وتجريدها من الإرادة والقرار وعزلها عن فلسطين وقضيتها بمساعدة الأنظمة الوظيفية التي سبق وان أوجدتها القوى الاستعمارية قبل أن توجد الكيان الصهيوني في فلسطين جاعلة من هذه الأنظمة الوظيفية بمثابة حماية لامن وديمومة الكيان..؟!
بيد أن ما حدث في أكتوبر من العام الماضي لم يشكل صدمة للكيان الصهيوني، بل كان مفاجئا حد الرعب والإزعاج للعواصم الاستعمارية وفي المقدمة أمريكا وبريطانيا، كما جاءا مرعبا ومعبرا عن نهاية قريبة للأنظمة الوظيفية التي تنتمي للمنطقة وربط المستعمر وجودها وديمومتها بوجود وديمومة الكيان الصهيوني.
فما حدث في أكتوبر الماضي لم ياتي من دولة ونظام عربي أو إسلامي، كان بإمكان الكيان تدميره واحتلال أراضيه، وان عجز الكيان سوف تتكفل به بوارج أمريكا والغرب، لكن ما حدث في أكتوبر جاءا من قبل فصيل عربي فلسطيني مقاوم للاحتلال الجاثم على تراب وطنه وتعطيه كل القوانين والتشريعات الدولية الحق في مقاومة الاحتلال، وهذا يمثل الجانب المرعب من الحكاية التي لم تتوقعها العواصم الاستعمارية الراعية للاحتلال الصهيوني التي جاء ردها بصورة إنتهاك لكل القوانين والقرارات والتشريعات الدولية، كما جاءات مواقفها فاضحة لكل شعاراتها عن الحقوق والحريات والديمقراطية والتحضر، إذ إسقطت طوفان الأقصى كل الأقنعة وبدت أمريكا دولة استعمارية والغرب كذلك، ومع ذلك خرجت النخب الطلابية والشعوب في أمريكا والغرب ناسفة بخروجها متضامنة مع الشعب الفلسطيني لكل قيم حكوماتها فبدا ما يمكن اعتباره حالة انفصام بين الحكومات في أمريكا والغرب وبين الشعوب بنخبها الطلابية الرافضة لسلوكيات الكيان الصهيوني ولمواقف حكوماتها الداعمة لهذا الكيان الذي بنظرها أصبح كيانا مجرما يرتكب حرب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني الذي يناضل في سبيل حقه في الحرية والاستقلال..؟!
بدأ الكيان بنظر العالم مجرما يتحدى القانون الدولي، غير أن أمريكا بدت هي الأخرى من خلال إدارتها أكثر إجراما برعايتها لهذا الكيان واعتبار كل جرائمه مبررة وتندرج في سياق حق (الدفاع عن النفس)..؟!
ما يمكن استنتاجه من كل ما يجري اليوم ان النخب الاستعمارية أمريكية كانت أو غربية ربما افتقدوا الوعي وتجاهلوا إمكانية الآخر وسخروا من قدراته خاصة ان كان هذا الآخر هو شعب يعيش تحت نير الاحتلال منذ أكثر من مائة عام، لقد إسقطت معركة طوفان الأقصى كل القيم والأخلاقيات الغربية الأمريكية وفضحت دور الأنظمة الوظيفية، لكنها أثبتت أن الحق فوق القوة واسقطت نظرية (الصهيوني هرتزل، القائل أن القوة فوق الحق)..؟!
لقد اربك أبطال المقاومة وعلى مدى ثمانية أشهر العدو ورعاته والعالم بأسره وحركوا شعوبا لم تكن تعرف أبجدية القضية الفلسطينية، لكنها اليوم تتبني القضية وحق أهلها فيما العدو يعيش ولأول مرة في تاريخه أزمة وجودية لم تكن في حساباتها اطلاقا، كما لم تكن معركة اليوم تدور في حسابات النخب الأمريكية والغربية التي نقلت إليها طوفان الأقصى والي عقر دارها من التداعيات التي كانت مغيبة عنها ولم تكن تدور بخلدها خاصة وان الطوفان جاء في لحظة استرخاء صهيوني وجشع استعماري يتطلع لكسب المزيد من مقومات الانبطاح والارتهان في المنطقة بواسطة ( سنارة الاتفاق الإبراهيمي)..؟!
28 مايو 2024م |