ريمان برس - (الحب) فطرة إنسانية زرعها الله في قلوب مخلوقاته من البشر والحيوانات والطيور وحتى الأشجار تحب وتعرف الحب، لماذا اقول عن حب الحيونات والطيور لأن الله سبحانه وتعالى يصفهم بأنهم ( امم أمثالكم ) أي مثل البشر وبالتالي يتصفون بذات صفات البشر في عواطفهم تجاه بعضهم..؟!
فالله سبحانه وتعالى (حُب) وانبيائه ورسله كذلك، وتعاليمه وما انزله من تعاليم بواسطة الأنبياء والرسل هي تعاليم (حُب) وبالحُب تتوثق علاقة العبد بخالقه وتترسخ علاقة البشر ببعضهم بواسطة الحُب، وبالحُب تتوثق علاقتنا مع الله وعلاقتنا ببعضنا وعلاقتنا بوطننا، وكما يفشل البناء الأسري بدون الحب يفشل بدونه بناء الأوطان أيضا، كما تفشل علاقة العبد بربه وبدينه بدون الحب..فالعلاقة مع الله ورسله وانبيائه حب، وبناء الأوطان حب، وكذلك بناء الأسر وتنشئة الأجيال حب.
أن الحب كلمة سحرية وعبارة قد يستخف بها البعض بل الكثيرون قد يجهلون أهميتها وسحرها وتأثيرها في وجدان وذاكرة من يؤمنون بها ويسلمون بقدرتها وفعالياتها في تحويل المستحيل إلى ممكن، إذا ما اختزلوا الجملة في سياقها النمطي العابر المعبر عن علاقة الرجل بالمرأة والحب ليس كذلك قطعا بل هو أعظم وأكبر من هذا الأختزال إنه الحياة بكل ما فيها وهو الخلود بكل معانيه.
أن كلمة (حب) ليست مجرد كلمة عابرة تعكس حالة شبق ( شهواني) عابر، بل هي مفتاح سر الكون وبوابة التوحيد وعنوان السكون البشري والاطمئنان، كما هي طريق الخلود الأبدي الذي يتجلي في اروع صوره َن خلال الحب.
أن الحب قيمة أخلاقية، وفعل فطري، ومشاعر تستوطن وجدان مخلوقات الله بمختلف أشكالهم واجناسهم ولغاتهم وألوانهم، فالحب ليس مجرد رغبة بل إحساس بذاتك وبمن حولك وبه تتعزز علاقتك بربك ودينك، ولدي الإنسان قلب وفؤاد وعقل وكلاهم يحتويان أنزيمات الحب في الوعي الإنساني، أنزيمات تتوزع على كريات الدم وتستوطن الوجدان وتحتويه كل أعضاء الجسم في تركيب صنعه الخالق وأحسن خلقه وجعله نافذة للمودة والرحمة وميدان للتعايش والبناء المتعدد الأشكال، بدءا من بناء العلاقة مع الله ورسله وانبيائه وما انزله عليهم، ولا ينتهي بحب الوطن والأسرة والمحيط الاجتماعي لأن الحب هو إيقونة الحياة وفاكهة الخلود التي لا تنتهي ولا تتلف لأن الحب هو نقيض الكراهية وهو اللقاح المضاد لها لأن الحب والكراهية لا يجتمعان كما هو الحال بين الخير والشر والحق والباطل والحب هو الحق وهو الخير وهو الكمال وهو يتماهي بأهميته في المسار الحياتي كأهمية الماء والهواء والشمس والقمر والليل والنهار، وكما أن الإنسان يستحيل أن يعيش بدون ماء وهواء وشمس وقمر وليل ونهار، فإنه كذلك يستحيل أن يعيش بدون (حب) فالحب يوطد العلاقة بين العبد وخالقه وبه يتمسك الفرد بعقيدته ويخلص لها بالحب، وبالحب تعمر الأوطان، وتبني المجتمعات وتتوحد وتتماسك، وبه تبني الأسر وتتوالد الأجيال.
إنه الإيقونة السحرية التي اوجدها الله في مخلوقاته لأن الله سبحانه وتعالى هو الحب ومنح سبحانه بعضا من عنده لمخلوقاته لافرق بين البشر والحيوان والطير فكل مخلوقات الله يسكنها الحب ولكن بطرق متفاوته لأن الحب البشري يبقى هو الأعلى مرتبة والأكثر حضورا وفعالية وتأثير في بناء الذات والأسرة والمجتمع والوطن، ولكن قبل كل هؤلاء يكون حب العبد لربه ودينه ورسله وكتبه ولهذا الحب درجات ومراتب وصفات لا نهاية لها وقد يجد المحب الزاهد نفسه يعتلي درجات حبه لخالقه لدرجة التوحد مع خالقه فيترك الدنياء بما فيها خلفه وهذا حب مثالي لكن على المؤمن المحب أن لا ينسى حضه من الدنياء نزولا عند إرادة خالقه.
أن الحب لا يجب أن ينحصر بين ذكر وانثى بل يجب أن يشمل كل مناحي الحياة وكل ما خلق الله حبا بعباده، إذ أن كل ما خلقه الله في الطبيعة خلقه حبا بعباده وتكريما لهم فهل نعرف حقيقة الحب وقيمته وان لا نوظفه في نطاق التعبير عن (شهواتنا) التي قد تدفعنا لطريق الخطئية باسم الحب والحب بريء مما نمارس بأسمه على طريق إشباع رغبات عابرة.. ان للحب قدسية ترتقي لقدسية من زرعه في مشاعرنا وجعله ركيزة البناء وجسرا للارتقاء والتطور والتقدم والرقي البشري الخلاق. |