ريمان برس -
رغم الحال الراهن الذي تعيشه البلاد بما فيها من البشر، غير أن الزحام يزداد وحيث تقودك اقدامك ستغوص في الزحام.. زحام الأسواق والشوارع، والمحلات والمطاعم والمقاهي..!
زحام يمكن وصفه بزحام التائهين، الذين أنفسهم لا يعرفون سر أو سبب ازدحامهم..!
زحام يستوطن العقول والقلوب، تجده في كل مكان داخل البيوت، وفي الشوارع والأسواق، حتى أن نفوس الناس مزحومة هي الأخرى، منها مزحومة بأشياء كبيرة، ومنها مزحومة بأشياء صغيرة، قد لا يكترث بها أخر، وقد يسخر منها أخر حد الأزدراء، لكنها لدى من يحملها ويفكر بها وتستوطنه تعني له الحياة..!
الأفكار تتزاحم في تجاويف العقول المتأملة، والأحلام تتزاحم في قلوب وأفئدة حامليها الذين يحملون من الأفكار والأحلام المتزاحمة كلا على قدره وبما يتناسب مع رؤيته للحياة..!
تتأمل في وجوه المتزاحمين، تراهم يتحركون في كل الاتجاهات ولكل واحد منهم حكاية وقصة..!
قصص متحركة يحملها الغلابة حيث يتجهوا، قصص يكفي لكي تعرفها أن تقف على رصيفا ماء أو على مقعد في مقهى ماء، ودون أن تحتاج لأن تسأل ستجد نفسك تسمع قصص وحكاية ليس فردا بذاته، بل ستعرف قصص وحكاية أسر ووطن وسلطة وحكم ونظام ومجتمع..!
غير أن كل واحد من هولاء يكيف القصص والحكايات بما يتسق مع حكايته الذاتية التي يخضعها تلقائيا لتتماهي مع القصص والحكايات العامة.
ثمة آخرين تجدهم في هذه الزحمة في حالة تنكر واندهاش، تنكر لما وصل إليه الأحوال العامة والخاصة، واندهاش من دراميتها وتراجيديتها المؤلمة..!
وسط زحام المزدحمين لا تغيب عنك وجوه وافكار العباقرة الذين يكتوون بسياط المرحلة وكرابيجها، و يتحملون هموما كالجبال تقلق سكينتهم وتفجر في أفكارهم ووجدانهم الأف الأسئلة عما يجري؟ وكيف جرى؟ ولماذا جرى ماجري في هذه البلاد؟
عباقره وحاملي رؤى ومشاعل الوعي والتنوير ولكنهم للأسف _شحاتين _..؟!
هل سمعتم أن هناك عباقرة وشحاتين في مجتمع غير مجتمعنا البائس..؟
نعم.. عباقرة شحاتين، يتألمون لعاهات وطنهم، يغنون للحافين والمتسكعين، يتألمون لاطفال الشوارع، يبكون على مشهد متسول، يقبلون أن يجوعوا ويمنحون طعامهم لأول جائع يلتقون به..عباقرة وفلاسفة يعشقون الحرية والعدل والعدالة، يلعنون (الظلم) ويكفرون ب(الظالمين)..؟!
عباقرة يصطفون على قارعة الشوارع، يحتلون مقاعد المقاهي، يتألمون على وطن تمزقه المصالح وعلى مواطن يقتات القهر والظلم كزاد يومي يتلاقاه من (المؤجر) المتغطرس الذي أصبح يتماهي مع ( الحاكم بأمر الله)؟!
عباقرة وفلاسفة بتحسرون على وطن وشعب وعلى تاربخ حافل بالتضحيات، وعلى جماجم من الشهداء ذهبوا عبثا في وطن يهين طغاته أنفسهم والوطن والشعب..؟!
نعم فالطغاة لا يطال طغيانهم المجتمع، بل يطالهم أولا ويجعل منهم مجرد (عبيدا) لشهواتهم ونزعاتهم التسلطية التي أول ما تبدأ، تبدأ بقتل إنسانيتهم وتجريدهم من ادميتهم ومن ثم يتحولون إلى وحوش بصورة بشر..؟!
مالك يا صاحبي؟
عبارة خرجت مني علي احد الأرصفة لصديق كان يجلس جواري تائها شاردا بافكاره ونظراته، التفت نحوي وكأنه يسخر من سؤالي ومني، ثم ابتعد بنظراته عني وجاني صوته وكأنه صادر من جوف بئير عميق، قائلا هذا السؤال يمكن أن يأتي من أي شخص غيرك؟
نهضت من جواره، ومديت له يدي وسحبته ليقف، تحركنا نحو المقهي القريب، طلبنا (الشائي) تأملت وجه ( العابس والمكفهر) ، أعرف أنه لم يكن يوما مدخنا، لكني تفاجئت حين مد يده (لعلبة سجائري) اخرج سيجارة واشعلها اخذ نفسا عميقا منها َنفخ دخانها امامي، ثم قال انظر لدخان السيجارة الذي شكل بيني وبينك سحابة تلبد نقاوة الفضاء الذي يفصل بيننا، ويغيم على نقاوة الصورة، وهذه هي حياتنا التي عكرتها الحرائق التي تسبب بها أولاد (.......) الذين حولوا حياتنا والوطن الي جحيم لايطاق.. بل قد يكون جحيم الله الغفور الرحيم ارحم من جحيم البشر المصطنع..!
إننا نعيش في جحيم يا صديقي، جحيم لم يعد تحمله ممكنا، لقد زوروا التاريخ والأحداث، وافرغوا النفوس من كل القيم والعقول أصابوها بالشلل واعجزوها على التفكير، وأصبحوا يطعمونا الجهل واتخذوا من التجويع بديلا عن ( زنازين خميس)؟!
لقد أكلوا ابائنا وتضحياتهم، واليوم _ يحلوا بناء وبأولادنا_ ، فماذا بقي لاولادنا واحفادنا من مستقبل في وطن لا يؤمن بالمستقبل اصلا، ويعيش في مغارات الماضي المعتمة نزولا عند رغبة ترويكا (الطغاة الجدد) ..؟! |