ريمان برس -
تتوالى الأحداث، وتتوالي سردية الزمن بمتغيراته مجسدة حصيلة الوعي الجمعي للمكونات الاجتماعية التي تعد رافعة أو صانعة الأحداث والسردية الزمنية، تتوفق وتنجح بعض المكونات الاجتماعية، وتخفق وتفشل أخرى..!
تتوالى السرديات الزمنية وتتعاقب الأجيال في محطاته، كما تتوالى بدورها الأحداث.. تسيطر الحاجة على الجموع، تنزلق النفوس المريضة الي متاهات الرغبة، ترفع كل نفس ذرائع وأسباب ودوافع انزلاقها، مبررة هذا الانزلاق بتداعيات اللحظة الزمنية القهرية التي ولدت من تسلط نفس أمارة أخرى أكثر حضورا وهيمنة على السردية الزمنية ومتواليتها،وأكثر نفوذا في مفاصل المجتمع..!
كما تتوالى السردية الزمنية، وتتوالي الأحداث، وتتعاقب الأجيال، تتعاقب معهم أيضا قوانين التسلط وتجدد سياط القهر نفسها متنقلة من ( كف) الي أخر، ومن( يد) الي أخرى..!
ثمة مكونات اجتماعية اعتادت أن تورث لأبنائها كل ظواهرها السلبية والإيجابية، بما في ذلك ( القهر والتسلط البابوي) وهما الأكثر حضورا في السردية الاجتماعية المتوارثة، والمتنقلة بين الأجيال كحق مكتسب غير قابل للانتقاص أو الاستهداف، إلا أن امتلك المعترض قدرات تفوق قدرات أصحاب الحق المكتسب.؟!
إذ اعتادت المجتمعات أن تورث لأجيالها قيم الخير وقيم الشر على حد سوا ولان المجتمعات هي أشبه بالأشجار حيث نجد فيها المثمرة وذات الفائدة للناس ونجد المؤذية وغير المثمرة، لكنها مفيدة ( للاحتطاب) ومصدر لايقاد النار، البشر فيهم المفيد للناس وسيكافئ عند ربهم على حسن أفعاله وفيهم من أمتهن إذاء الناس وسيجد عند ربه الجزاء الذي يستحقه على أفعاله. وان كانت بعض أشجار الدنياء نافعة للناس ليوقدوا بها، فأن ثمة بشر هم حطب جهنم في الأخرة كجزاء على اعمالهم في الدنياء حيث لم يتمكن البشر أمثالهم من إنزال العقاب عليهم على اعمالهم، فيكون جزائهم عند الله الذي وحده القادر على الاقتصاص من عباده الظالمين ونصرة عباده المظلومين في الدنياء.
( العلم) يفترض أن يكون هو أداة التطور و وسيلة التغير الاجتماعي، غير أن المشكلة تبقى في ( المتعلم ) الذي قد لا يفيد علمه في إحداث التغير والتطور الاجتماعي وبالتالي فالتعليم وحده لا يكفي لإحداث التغير والتطور الاجتماعي، فقد يكون ( المتعلم) ينتمي لطبقة اجتماعية ترى أن نفوذها الاجتماعي حق مكتسب تتوارثه أجيالها جيلا بعد جيل،ولهذا نحن بحاجة ( للمثقف الاجتماعي) الذي وحده قادرا على أحداث حركة التغير في المجتمع.
بيد أن مشكلتنا الاجتماعية وخاصة في بلاد كبلادنا _اليمن _تكمن في ديمومة توارث( الوجاهة والنفوذ) ونمو واتساع قدرة وقوة وحضور (القوى التقليدية) المرتكزة على الولاءات (القبلية) بكل ما تعني هذه الولاءات من التعصب والاصطفاف خلف الرمزية القبلية في مواجهة الآخر الاجتماعي والوطني، وأن كان هذا الآخر هو (الدولة والسلطة والنظام والقانون) حيث تصبح هذه المسميات _بين هلالين _ خاضعة لرغبة (القبيلة) ورموزها، الأمر الذي يحول دون قدرة الدولة والسلطة على فرض هيبتهما أو تطبيق قانونهما في ظل وجود ( القبيلة) الحاضرة في مفاصل المجتمع وتنازع الدولة والسلطة سلطاتهما من خلال فرض اعرافها وتقاليدها والحرص على إبقاء نفوذها نديا لنفوذ الدولة،أن لم يكن نفوذها أكبر وأكثر تأثيرا من نفوذ الدولة وهذا ما تعيشه اليمن التي اخفقت في أحداث اي تغيير اجتماعي فعلي منذ قامت الثورة اليمنية وحتى اليوم، رغم كل التحولات التي شهدتها البلاد المعبرة عن مسيرة التغير والتطور، إلا أن كل هذه التحولات كانت مجرد مسميات وليس لها تأثيرا في الوعي والواقع الاجتماعي،لأن الثورة والجمهورية، سيطرت عليهما (القبيلة ورموزها) ، والوحدة والديمقراطية خضعتا ( لقانون القبيلة) وشروطها وحتى الفعاليات السياسية والحزبية تسربت لمفاصلها ( قيم واعراف القبيلة) ولهذا وجدنا احلامنا تتحطم على (مقصلة القبيلة ومسلخها)، الأمر الذي حول مسارنا الحضاري الوطني الي مسار لي ( جلد الذات) تعبيرا عن حالة الفشل الحضاري الذي نتكوي بسياطه اليوم، بدليل إننا كنا كسلطة ونخب وفعاليات ومجتمع نخوض جدالاً ساخنا عن تداعيات الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، نسوق أفكاراً وقناعات كلا يقيم هذه التحولات أو المكاسب بحسب قناعته وبحسب قربه أو بعده من رموزها وابطالها، ثم فجأة أصبحنا اليوم نخوض جدالاً عن أحداث تاريخيه مؤغلة ابعد من الثورة والجمهورية والتحولات الوطنية التي شهدها الوطن عبر مسيرتهما، لأننا اليوم نخوض جدالاً متصل بأحداث ( فجر الإسلام) تبدأ في معترك الرسالة المحمدية ومواقف صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام الي أحداث (السقيفة) وإحداث (كربلاء) ونزاع (بني العباس) وصراعهم مع ( بني أمية)، جدال عقيم داهمنا مع إننا نجهل ما حدث عام 1994م وادي لتفجر الحرب، ونجهل تداعيات عام 2011م وما جرى بعد ذلك من تداعيات اجتماعية ووطنية مؤلمة..؟!
فماذا يعني كل هذا؟ ببساطة تحطم كل الأحلام التي حلمنا بها، وتعني إننا مجتمع ( مفلس فكريا وحضاريا وتاريخيا) والدليل إننا ننبش في ( ماضينا) عن مبررات تشرعن ( لحاضرنا) حالة ( الأركسة) التي تعنون حراكنا الراهن بكل ما فيه من حماس لإعادة إنتاج قيم ومظاهر (الاستبداد الاجتماعي) لذا اقول نحن في زمن تحطيم الأحلام وصلب الأماني، ويبقى الخلاص من هذا الزمن وتداعياته مرهون بالوعي الجمعي الوطني، ان كان هناك بقايا من هذا الوعي ..؟! |