ريمان برس -
تعيش أمتنا وطنيا وقوميا حالة تمزق إجتماعي وسياسي وفكري وعقائدي وديني إلى جانب تمزقها الجغرافي الذي مزق وحدتها منذ قرابة قرن من الزمن إمتثالا لإتفاقية (سايكس _بيكو) فيما فلسطين تعيش ويلات الاحتلال تجسيدا لوعد (بلفور)..؟!
عرب اليوم يعيشون حالة إنفصام في مسارهم الحضاري، منقسمين بين من يعانون من ثقافة ( الإفراط) وتبني قيم ( جهادية) تفتقد المقومات المطلوبة دينيا وثقافيا والحجة الشرعية، والرؤية الاستراتيجية الكفيلة بمنح هذه ( القيم الجهادية) تايدا جماهيريا، وفي الإتجاه الآخر هناك من تبني قيم (التفريط) وتخلي عن كل القيم والأخلاقيات الدينية والوطنية والجهاد ية والإنسانية، وتبني قيم الانفتاح العبثي متخليا عن كل الواجبات المفترض عليه تأديتها تجاه وطنه وشعبه وأمته وشعوبها،وكل طرف حشدا مجموعة من المبررات التي أستند عليها في تبرير مواقفه وشرعنة سلوكه..؟!
والمؤسف أن من ( أفرطوا) ومن ( فرطوا) جميعهم ابتعدوا عن هموم أوطانهم وشعوبهم وحاجتهم،وعن القضايا الأساسية وكيفية معالجتها، وجميعهم تبنوا خيارات تخدم نوازعهم وتشبع رغباتهم دون إكتراث لمتطلبات شعوبهم وأمتهم..؟!
أن من تبنوا ثقافة وقيم ( الإفراط الجهادي) وعلى مختلف مدارسهم ودوافعهم ومنهجهم العقائدي، أعطوا لقناعتهم أبعاد (دينية) ذات طابع وهوية (مذهبية)، وجردوا فكرتهم من بعدها الوطني والقومي، فيما الطرف الأخر الذي اخذ بقيم وثقافة (التفريط) اعطوا بدورهم لخياراتهم طابع وهوية إنفتاحية _عبثية، وكرسوا ثقافة (الذات الوطنية) بكل ظواهرها الهلامية والانعزالية، وكلا الخيارين السائدين يحملان في طياتهما ( معاول هدم) للأمة على الصعيدين الوطني والقومي..!
( معاول) مهمتها هدم كل قيم الأمة الدينية والوطنية والاجتماعية، أولى تبعاتها تمزيق النسيج الاجتماعي،قطريا وقوميا، وبعد أن كنا نتحدث _مثلا _عن _الوحدة العربية والتكامل العربي _ أصبحنا نتحدث عن_ الوحدة الوطنية و التكافل الاجتماعي_ ثم استلاب الوعي الجمعي وإدخاله في متاهات عبثية مدمرة لكل قدراته الإيجابية وإحلال محلها قدرات سلبية تعزز وتشرعن لقيم وثقافة ( الإفراط والتفريط)..!
أن الدين الإسلامي دين محبة وتسامح ودين ( وسطي) فلا هوا يتماثل مع (اليهودية) ولا يتماهي مع (المسيحية) والأمة العربية أمة وسطية بأمر الله القائل (وجعلناكم أمة وسطاء لتكون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، والمؤسف إننا اليوم نرفع شعارات الدين ونتظاهر بالتدين لكن عمليا وسلوكيا لا علاقة لنا بالدين وتشريعاته إلا بما يعزز سلطة ( الحاكم) ويؤمن مكانته ويكرس شرعيته، ويجبر العامة ويلزمهم بطاعته، لكن فيما يتعلق بحياة الناس فلا أثر لتشريعات الدين ولا لقيم الرسول، بل أن من المؤسف القول إننا في زمن نجد فيه تناقضات مريعة في سلوك ( رموز الحاكمية) وقد نلمس قدرا من العدالة والمساواة والإنسانية والحرية في كنف نظام يحكم بأسم (ماركس)، لكن للأسف لم نلمس مثلها في كنف نظام يحكم بأسم ( الله ورسوله)..؟!
إذ ذهب ( دعاة التدين) إلى استغلال تدين العامة لترسيخ في أذهانهم وقناعتهم مبدأ (طاعة ولي الأمر) وأن كان ( طاغيا أو فاسقا) درءا للفتنة وأن كل ما يعانيه المسلم هو قدر الله يجب أن يتقبله، وإلا فهوا يعارض قدر الله وما كتبه له..؟!
هذا التسليم المطلق لقدر الله، يسخره كل قادم للسلطة لتعزيز سلطته، لم يلتزم به هو قبل أن يصل إلى السلطة عبر معارك دامية خاضها ضد من كانوا قبله يتربعون على عرشها، بل قاتلهم وخرج عن طاعتهم، وهكذا وجدت الأمة نفسها تعيش في دائرة الصراع من أجل السلطة والتسلط وليس من أجل دين أو حرية أو عدالة ومساواة بين الناس أو في سبيل تطبيق شريعة الله ورسوله..؟!
أعلم أن رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام قال :( أن حكما لخمسين عاما في كنف طاغٍ أهون من شهر من الهرج والمرج، قيل وما هو الهرج والمرج يارسول الله :قال ان يقتل الناس بعضهم بعضا) صدق رسول الله.
لقد استغل البعض قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) أبشع استغلال حتى وصلت الأمة في بعض مراحلها التاريخية أن حكمها خلفاء وملوك ( فاسقين وماجنين) كانوا يقضون اغلب أوقاتهم في مجالسة ( الجواري ومعاقرة الخمر والعربدة) لا يدركون ما يجري خارج قصورهم وما تعانيه الأمة، فإذا ما حاول احد نقدهم ( اتهم بالكفر والزندقة والمس بهيبة الخليفة أو الملك) فيسارع فقهاء السلطة الي اطلاق الاحكام وإصدار الفتاوى بحق كل من ينتقد هكذا سلوك، ويكون العقاب لمن تجراء وانتقد إما القتل أو السجن أو أن يعيش طريدا، ظاهرة لا تزل الأمة تعيشها وتعاني ويلاتها وأن اختلفت الأساليب والوسائل ومسميات (الحاكمية)..؟! |