ريمان برس -
( تنويه : إعادة بعد تصحيح بعض الأخطاء.)
ساواصل في هذه _ الحلقة والحلقتان القادمتان_ تناول اغاني الفنان عبد الباسط الذي شكل مع رفيقه الاستاذ سلطان الصريمي ثنائيا متكاملان في المشاعر والتوجه والقناعات ورؤية الواقع الاجتماعي، ولهذا اخذت اغاني الاستاذ عبد الباسط طابعا خاصا ومميزا من حيث القضايا الاجتماعية التي تناولتها اغاني فنانا التي وأن حملت قناعات الشاعر وأفكاره السياسية ورؤيته للواقع الاجتماعي وإنحيازه المطلق والواضح للقاعدة الشعبية التي تتلقى كل تعسفات الاستبداد وتقاليد وأعراف النخب المتحكمة بمجريات الحياة وقوانينها، فجأت تلك القناعات منسجمة حتى التماهي مع قناعات فنانا وبلبلنا الشادي الذي اطربنا بفنه وقدم لنا عبر مسيرته الفنية لوحة فنية متكاملة تحكي اطيافها عن معانات واقعنا وضروفه الاجتماعية وعبر الأغنية نقل لنا الشاعر والفنان كل ما يتعلق بضروفنا الحياتية وخاصة أوضاع أبناء الريف بدرجة أساسية الذين عاشوا مرارة الواقع واكتوت حياتهم بسياطه.. معاناة إلانسان والأرض والطفل والمجتمع ونالت المرأة نصيبا في أهتمام الشاعر والفنان وعبرت عن هذه المعاناة الأغاني التي صدح بها فنانا العملاق والتي توثق مسيرة حياة ورحلة تطور وتحولات اجتماعية وكان اغنية (مسعود هجر) التي جاءت وكأنها حكاية من حكايات ( السيرة الهلالية) التي حملت معاناة المرأة الريفية وقساوتها في ظل حياة الاغتراب التي عنونت حياة أبناء الوطن وخاصة في محافظتي تعز وإب وهما المحافظتين الأكثر معانة من الاغتراب، وأن كانت محافظة تعز هي الأولى في الهجرة والاغنراب حيث كان أبنائها قد قرروا وكنتاج التسلط والتخلف اللذان عنونا حكم الأئمة والجهل والفقر اللذان عما أرجاء المحافظة ريفها والحضر قد دفع أبناء المحافظة الي الهجرة والاغتراب بحثا عن الرزق ورغبة في الارتقاء بواقعهم الاجتماعي وكانت (عدن) بوابة الانطلاق لأبناء تعز نحو بلدان الاغتراب التي امتدت لكل قارات العالم، وقد تحققت فعلا اهدافهم واستطاعوا أن يرتقوا بواقعهم الحياتي والمعيشي والمعرفي ونجحوا بأمتياز في تحسين ضروفهم المالية والعلمية والمعرفية، وكأن لعودتهم فوائد كثيرة أبرزها انهم حملوا مشاعل التنوير والتطور الحضاري في وطنهم، إلا أن لهذا النجاح كان هناك ثمن باهض دفعته أسرهم جراء رحلات الاغتراب.
أغنية (مسعود هجر) ليست مجرد اغنية عابرة بل وثيقة اجتماعية حقيقية نقلت لنا وللأجيال والتاريخ صورة واقعية من معاناة المرأة اليمنية التي دفعت ثمن الاغتراب وثمن نجاح الرجال الذي ركبوا أمواج المحيطات في سبيل تحسين أوضاعهم بعد أن أيقنوا إستحالة تحقيق أي تقدم داخل وطن غارق في مستنقع الجهل والفقر والمرض.
(مسعود هجر) ملحمة وطنية، واجتماعية وتاريخية لدرجة أن إحدى الجامعات السوفيتية اعتمدها كوثيقة مهمة من الوثائق التي تحكي عن ضروف حقوق المرأة اليمنية ونضالها الوطني.. نعم فالقطاع التجاري _مثلا _الذي برزا وحققه أبناء محافظة تعز جاء أيضا بتضحيات نساء مجهولات من أمهات وزوجات واخوات كابدين مشقة هجرة افراد اسرهن وتولين مهمة القيام بزراعة الأرض ورعاية الأولاد.. غير أن المهم في هذه الملحمة الوثيقة أنها ما كانت لتنال مكانتها من الشهرة لو غناها فنان أخر غير الاستاذ عبد الباسط، وما كانت لتكون بهذه البلاغة والتصوير لو جاءت من شاعر غير الاستاذ سلطان الصريمي، والسبب بسيط أن الشاعر والفنان هما أبناء البيئة التي شهدت الواقعة_ واقصد بالواقعة ظاهرة الهجرة والاغتراب _، ولا أعتقد أن هناك بيت في محافظة تعز لم تعاني نسائها من قساوة إغتراب الأحبة ومرارة الفراق، بل (شخصيا) عرفت الكثير من الأسر في (قريتي) عانت من مرارة فراق الاحباء، ورغم ذلك كان الوفاء ولايزل الذي قدمته المرأة في( ريف تعز) تحديدا مضرب الأمثال للأجيال التالية وفاء يستحيل أن نجده في أجيال اليوم..؟!
وهنا أود القول أن في (قريتي الصغيرة) غادرا شقيقان للغربة وكان لدى كل منهما (طفلان أعمارهم تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام) ثم اختفت آثارهما، وصمدت زوجاتهما بوفاء يتجاوز وفاء (السؤال العربي) الذي قيل انه اشتهر بالوفاء لكن وفائه لا يتماهي ولا يضاهي وفاء زوجة وأم في ريف تعز، ورغم إنقطاع أخبارهما إلا أن زوجاتهما ظلتا على العهد منهمكات في تربية أطفالهن والمفاجأة أنهم عادوا ولكن بعد أكثر من نصف قرن من مغادرتهم القرية فهل هناك وفاء أعظم من هذا الوفاء.
أعتذر عن الإطالة لكن بجد هذه اللوحة الإبداعية لا يكفيها مقال عابر بل تحتاج ( كتاب) إذا ما رغبنا في تحليل كلماتها وتفسير معانيها والتوقف أمام ما حملته من مفاهيم وقيم تعبر عن معانة المرأة اليمنية ووفائها وقوة صبرها والأعظم أن هذه المرأة واقعيا رغم كل ما عانيته تجد في قلبها متسعا من الحب والتسامح ويكفي أنها وبعد ما سردته لابنها وعمتها من ضروف قاهره تعيشها قالت في الختام : لكن مسامح قد يكون معذور
وقد يكون هو الاخير مقهور.. يعني رغم كل ما فيها وما تعيشه أوجدت له في الاخير عذر ومبرر.. وهذا هو الوفاء الذي لا يمكن أن نجده اليوم.. الرحمة والخلود لأمي ولكل الأمهات الصابرات اللاتي ضربن أروع الأمثلة في الوفاء والصبر.
إلى كلمات الأغنية :
اغنية (مسعود هجر)
كلمات :الاستاذ سلطان الصريمي
ألحان وغناء الفنان عبد الباسط عبسي
وعمتي منو شقول لمسعود
بعامنا الأول رزقنا مولود
مسعود هجر وخلف المصائب
والبعد طال وزادت المتاعب..
..
..من قلة المصروف وكُثرة الدين
بكر مسافر فجر يوم الاثنين
وقت الوداع سلم وقال مودع
لا تحزني شاشقي سنة وشرجع
شفارقك بعد الزواج بأسبوع
العين تدمع والفؤاد مؤجوع
شذكر الحنا وحمرة الخد
شذكر الزفة واليد باليد..
..
واليوم لا مكتوب ولا صدارة
وعود خلي كلها خسارة
مرت سنين والقلب مسكنه الدود
ماحد درى اين الحبيب موجود
..
وعمتي كيف البصر لحالي
ضاع الشباب وطالت الليالي
قوتي القليل من الشقاء مع الناس
البسل اكل وجهي وشيب الرأس.
..
وعمتي ابني هلك من الجوع
الحَب زلج واني مريض مفجوع
رك النظر وجرحوا السواعد
وكم شكون صبري وكم شجاهد..
..
مقدرش عاد أشقى ولا اقدر أسأب
ولا اقدر اتمهر ولا اطحن الحب
شهرين مريض محد ظهر يراني
يارب تسامح الذي بلاني..
..
أحرقتني لا تبكي يا محمد
الموت أفضل للفقير واسعد
ابوك نسي الحناء وحمرة الخد
واني الوفاء لحدي والموت يشهد
...
وصيتي يا ابني تكون شهادة
لان ابوك احرمني السعادة
لكن مسامح قد يكون معذور
وربما هو الاخير مقبور
يتبع |