ريمان برس -
لا يختلف أحد على حقيقة أن الاستاذ أيوب قدم لوطنه ولشعبه ثروة فنية ستظل حاضرة في ذاكرة الأجيال لقرون قادمة.. نعم قدم الاستاذ أيوب فنا راقيا وقابل للديمومة والخلود، لأن كل مقومات الديمومة متوفرة في فن الاستاذ أيوب كلمة ولحن وأداء وإحساس ومشاعر، لم يقف إبداع استاذنا عند ملحمة النشيد الوطني (رددي أيتها الدنياء نشيدي) هذه الملحمة الغنائية التي أبدع في تلحينها أستاذنا بعد أن وصلت إليه القصيدة عن طريق الصدفة، إذ سبق أن ذهبت لفنان غيره، لكن الأقدار اعادته إلى استاذنا الذي أنهمك في تلحينها وجعل منها لوحة فنية عالية المستوى وعلى مختلف المستويات، ومع ذلك وفي عهد الأنظمة الشطرية صدح أستاذنا بصوته الشجي الخالد وسيظل خالد لقرون في الذاكرة الوطنية، ومع ذلك اعتمدت الأنشودة كأنشودة وطنية، غير أن الأخوة في النظام الجنوبي _حينها _كان لهم موقف أخر ورؤية أخرى لهذه الملحمة الوطنية _الأنشودة _ التي تفجر عند سماعها كل المشاعر الوطنية وتذكر المستمع بكل ملاحم الأجداد عبر التاريخ، فقررا الأخوة في قيادة الشطر الجنوبي اعتمادها (نشيدا وطنيا) للنظام والدولة في الشطر الجنوبي، فيما قيادة شمال الوطن _حينها _ لم تفكر في الحكاية وحتى عند قيام دولة الوحدة عام 1990م كان أعتمادها (نشيدا وطنيا) لدولة الوحدة ضمن شروط الأخوة في قيادة الشطر الجنوبي، ومع ذلك حاول البعض اعتساف بعض عبارتها ووقفوا أمام عبارة (أمميا) واعتبروها عبارة (شيوعية) بحسب فقهاء التخلف والجهل ونسوا وتجاهلوا أن الإسلام أمميا بدوره ورسالته..؟ لكن وبعد إنتقادات ساخرة عادة العبارة لموقعها بتوصية أو باقتراح من احد النافذين في السلطة..؟!
ومع ذلك يكفي أن هذا النشيد ظل هو القاسم المشترك بين أبناء الوطن في لحظات التمزق العبثي، كما ظل الفنان أيوب طارش هو الجامع للخصوم وصوته يصدح في ساحات المتخاصمين حتى حين تعرض منزله المتواضع في مدينة تعز _محراب أيوب وملاذه _ دخل المقتحمين بأطقمهم للمنزل وصوت أيوب يصدح من عليها بأنشودة (يا سماوات بلادي باركينا)..؟!
أيوب طارش كان له شرف توحيد الشعب اليمني فيما دعاة الدين ورموز السياسة كانوا ولايزالوا خلف تمزيق الوطن جغرافيا واجتماعيا وثقافيا وفكريا، وهنا تكمن عظمة الاستاذ أيوب وعظمة إنتاجه الفني وإبداعه الذي يصعب القول بأن الزمن سيجود لنا بمثله _حفظه الله ورعاه واطال بعمره _ إنه ثروة وطنية، وهامة فكرية وفنية وقامة إبداعية، ترجم حكاية وطن وشعب إلى سمفونية خالدة، خلدا فيها تحولات اجتماعية وسيرة وطنية لشعب انطلق من الصفر ليتشبث بقطار الحياة..؟!
أيوب فنان مرهف المشاعر والأحاسيس أستطاع أن يحول معاناة شعبه ووطنه إلى ( لحنا ونغما) ودفع العامة إلى التفاعل وأتخاذ الحانه وانغامه روافع للبناء والتعمير والتنمية.
لعمالقة الحرف والكلمة غنا استاذنا الفاضل أيوب طارش يستحضرني منهم اللحظة _بدون القاب _عبد الله عبد الوهاب نعمان _ أحمد الجابري _عثمان أبو ماهر المخلافي _ عباس الديلمي _ إبراهيم الحضراني _ عبد الحميد الشائف _محمد يحي الجنيد _ سلطان الصريمي _ محمد أحمد منصور _محمد طارش _... الاغبري _وأخرين لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم وقد نصل إليهم في التناولة القادمة.
أغاني اتحفنا بها فنانا فكانت لنا بمثابة _الزاد للجائع والماء الزلال للعاطش) وهي كذلك شعلة متوهجة تنير طريق الحرية والتقدم وتدفعنا الي طريق النجاح..
وقد ارتبطت إبداعات استاذنا بالبيئة والحاجة الاجتماعية، وتناغمت انغامها مع إيقاعات التحولات الحضارية، فشكلت بتنوعها لوحة إبداعية فريدة وغير مسبوقة لايجيد فن تشكيلها سوي الاستاذ أيوب الذي اعطي أهله و شعبه ووطنه بكرم وسخاء ودون مّنْ، ودون أن ياخذ بالمقابل ثمن عطائه، بما في ذلك حق الملكية الفكرية، الذي يعد حق مكتسب له بحكم القانون والأعراف والتقاليد المتبعة، رغم ان هناك من أثراء من إبداعات وإنتاج أيوب وفنه، في المقابل لم ينال أيوب رغم كل ما قدمه للوطن الأرض والإنسان سوي ( جحود رسمي) وتعاطف غير مجدي من العامة الذين لا يملكون غير مشاعرهم الصادقة في حب أيوب، مشاعر هي بنظر أيوب ثروة يصعب على غيره الحصول عليها، لكنها في الواقع ثروة معنوية لاتشبع من جوع ولا تروي من عطش، لكن أيوب قطعا يفتخر بهذه الثروة ويتباهي بها لأنها تعوضه عن التجاهل الرسمي والتهميش.. لأن أيوب صنع نفسه وامتلك زمام حريته وخضع كل فنه لإرادته وقناعته، ولأنه كذلك أصبح هو أيوب الذي نعرفه وعشقنا فنه وسوف نظل وتظل أجيالنا المتلاحقة تسير في طريق شقه فنيا لنا الاستاذ أيوب طارش عبسي.
يتبع |