ريمان برس -
كثيرة هي القضايا والتحديات التي تواجهها الأمة العربية قطريا وقوميا، إذ يعيش كل نظام عربي أزمات داخلية مركبة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وأمنية، ناهيكم عن أخطر هذه الأزمات وهي أزمة الثقة بين الأنظمة والشعوب العربية، وهي الظاهرة الأخطر التي تهدد سكينة واستقرار المجتمعات وتعرضها لأزمة وجودية إذا ما أخذنا في الاعتبار وجود ( أقليات عرقية) دينية ومذهبية في كل المجتمعات العربية دون إستثناء، أقليات تعاني ودون شك في الغالب من سياسة الإقصاء والتهميش، في ظل غياب عدالة اجتماعية أو بعضا منها تكفى للحفاظ على وحدة وتماسك المجتمعات وديمومة سكينتها الاجتماعية، كما أن تفشي ظواهر الفساد وسيطرة النخب الحاكمة على مقدرات البلدان وغياب مبدأ التوزيع العادل للثروات الوطنية وتفشي ظاهرة الاختلالات الاقتصادية ومستويات العيش داخل المجتمعات العربية، كل هذه الظواهر تشكل أبرز مصادر الخطر الذي يهدد بنسف الاستقرار الاجتماعي داخل المجتمعات العربية.؟!
بدورها الأنظمة العربية التي تعيش حالة انفصام بينها وبين مواطنيها، وهي ليست حالة عابرة بل تقليد أصيل متبع من قبل الأنظمة وسلوك تعمل على ترسيخه من خلال أدوات إعلامية ولكل نظام عربي يمتلك جيشا من الإعلاميين والكتاب والمفكرين والمثقفين والعلماء والمفتيين وكل هؤلاء متخندقين في خنادق الدفاع عن الأنظمة وتلميع صورها وتزيينها أمام الشعوب رغم بشاعة هذه الأنظمة التي أنشأت منابر إعلامية مقرؤة ومسموعة ومرئية، إضافة إلى آلاف المواقع الإلكترونية، مضاف الي كل هذا منابر الجوامع والكنائس وكل هذا يتم تسخيره لتلميع صورة الأنظمة والتسبيح ( بحمد الحكام) الذي يكذبون على شعوبهم، ويخدعون شعوبهم، ويظللون شعوبهم، ويمتهنون حقوق شعوبهم، ويطالبون من هذه الشعوب أن تقبل بما هي عليه وأن تحمد حكامها وتشكرهم على مكارمهم المتجددة في امتهانهم وإذلالهم لإنهم سمحوا لهم بالبقاء أحياء..؟!
النخب الإعلامية وجيوش المثقفين والمفكرين والدعاة سخروا بدورهم أنفسهم في خدمة الأنظمة والحكام وتعداد مناقبهم والتصدي لكل صوت يعترض على سلوك الأنظمة والحكام أو يطالهم بسوء، نخب إعلامية ومثقفين ونخب دينية وفكرية سخرت نفسها وقدراتها للدفاع عن أنظمة القمع والقهر وترويكا الطغاة والتصدي لأي صوت ناقد لهم من أوساط شعبهم، والتحريض عليه وقمع حريته وربما مصادرة حقه في الحياة، وأن جاء هذا الصوت من خارج مجتمعهم فلا نسمع غير طبول الحرب (وإنها الحرب يا كليب)..؟!
الإعلام العربي للأسف بكل وسائله وأدواته يسير على طريق حكامه ويؤدي رسالته المهنية بما يرضي الحاكم وعلى طريق تظليل الشعب وتجهيله ومسخ قيمه الدينية والوطنية والقومية وتدجين هويته وحصر كل وعيه في نطاق الولاء المطلق للحاكم أو الأسرة الحاكمة أو النظام الحاكم، فتسقط من إهتمامهم العقيدة والأمة وقضاياها وحتى الولاء الوطني يسقط من حساباتهم لصالح الولاء للحاكم والنظام الحاكم وأن كان هؤلاء خونة لشعوبهم وأمتهم ودينهم وهويتهم لا يهم المهم أن كرامة هذا الحاكم أو ذاك النظام ذات قدسية طالما وهناك رعاة وحراس لهذا الحاكم وذاك النظام يتحلون بالقوة القاهرة ويقفون بين الحاكم والنظام وبين الشعب طالما الحاكم والنظام يخدمون مصالح الحراس والرعاة أصحاب القوة القاهرة الذين يكرسون سلطات هؤلاء الحكام والأنظمة وأن قهرا وقسرا على شعوبهم، لكن أن رفض هذا الحاكم أو ذاك النظام الخضوع لإرادة أصحاب القوة القاهرة فأنهم سرعان ما يسقطوا ويطاح بهم وبأنظمتهم في سبيل تفشي الفوضى باسم الديمقراطية والحرية والثورة وتجد من يطبل لهذه الفوضى ويصورها كجنة ويقدم أدوات المرحلة الجدد ملائكة ومنقذين فيما يصور من تعرضوا للمؤامرة وغادروا كرسي الحكم ب ( الشياطين) مع أن العكس هو الصحيح..؟!
المتلقي العربي بدوره يعيش حالة تيه وإستلاب لذا نراه ينجرف مع التيار ويصفق بحرارة لكل قادم منساق وراء ما تقدمه له (رابطة صناع الطغاة) التي انذرت نفسها لمهمة تجهيل وعي المتلقي والسخرية من وجوده وحريته وحقوقه ومواطنته وإنسانيته لصالح قوي التسلط التي تقوم بدورها في خدمة أعداء وطنها وأمتها..؟!
يصعب القول إن هناك ثمة نظام عربي اليوم يمكن الرهان عليه ووصفه بالنظام الوطني الذي يكرس وجوده لخدمة شعبه، في المقابل يصعب القول إن هناك إعلام صادق وعادل ومنصف ومهني ووطني يكرس رسالته لخدمة وطنه وأبناء وطنه، إعلام لا نريده أن يخدم أمته ودينه وقضاياهما العادلة، بل يخدم وطنه وشعبه، للأسف لم نجد هذا الإعلام وليس له دور ومكانة ورسالة في الأمة إلا ما رحم ربي ويمكن القول إن 98٪من الإعلام العربي إعلام مدجن وكل من فيه أعضاء في (رابطة صناع الطغاة) يؤدون رسالة مهمتها تجهيل الوعي الشعبي العربي وتجميل كل قبيح له وخداعه فكريا وتوجيه قناعته نحو قيم وأنماط استهلاكية ترفيه وعبثية، وتكريس سلوكيات تحط من مواطنته ودوره ومكانته وإنسانيته..؟!
فقهاء السلطان يعتبرون بدورهم أعضاء فاعلين في هذه الرابطة، إذ نجدهم يعظمون حكامهم ويقدمون هؤلاء الحكام وكأنهم مقدسين بل ويجب تقديسهم وباسم الله والرسول يتحدثون عن ( الإله الحاكم) ومن على منبر ( بيت الله ومسجد رسوله) يدعون لخونة الأمة بالنصر والفلاح، وهم يدركون جيدا إنهم يكذبون ويخدعون الشعب حين يصفون الخونة ويلبسونهم لبس القداسة والطهارة وهم انجس من ( الخنازير) وألعن من ( مسيلمة وسجاح)..؟!
ثمة إعلام يمكن وصفه ب( الإعلام المعارض للأنظمة) وهذا بدوره للأسف قريب بسلوكه ومواقفه من أعضاء رابطة صناع الطغاة لأنه بدوره يقدس ذاته الفكرية ورؤيته الحزبية، يعني لا وجود للإعلام الحر المنحاز للإرادة الشعبية والقضايا الوطنية بمبدئية وشرف مهني وفكري وإرادة تخدم المصلحة الجمعية. |