ريمان برس -
بعد سنوات الأزمة والحرب والعدوان والحصار والتمزق، سنوات تفشت خلالها ثقافة الحقد والكراهية في أوساط النخب اليمنية التي راحت تجرم بعضها وتكفر بعضها وتجرد بعضها من الهوية والأنتماء، وبعد أن فشلت أطراف الصراع في الانتصارات لخياراتها، وفشل العدوان في إسقاط ما أطلقوا عليه (سلطة الإنقلاب) وإعادة ما يسمى ب (الشرعية) وبعد اشتداد الأزمة، وأشتداد معاناة الوطن والشعب، ألم يحين الوقت للنخب اليمنية المتنفذة أن تعود لوعيها بعد أن أصبح يقينا أن لا انتصار لطرف ضد أخر، وأن لا طرف يمكنه أن يفرض خياراته على الطرف الأخر، وأن بقاء المشهد على ما هو عليه فعل من مستحيل، والتمترس على تخوم التعصب الذاتي أيضا فعل غير مقبول، وبالتالي فأن الحال يتطلب عودة الجميع الي وعيهم الوطني وإلى جادة الصواب والتفكير بمصلحة الوطن والشعب وأن لا يدخلوا التاريخ ويحتلوا الصفحات السوداء في سجلاته..؟!
أن هناك أكثر من ( 35 مليون يمني) أمنهم واستقرارهم وحياتهم الطبيعية كل هذا متوقف على مواقف أطراف الصراع الذين عليهم أن يقفوا مواقف جادة وصادقة ويراجعوا مواقفهم ويغلبوا مصلحة وطنهم وشعبهم على مصالحهم المذهبية والحزبية والقبلية والمناطقية والفئوية، عليهم أن يثبتوا للمواطن المغلوب على أمره انهم أصحاب قرار وطني وحملة مشروع وطني وأنهم حريصين فعلا على أمن واستقرار الوطن والمواطن، وأنهم فعلا خداما للشعب والوطن وليسوا (سادة) والشعب لهم (عبيد)..؟!
لا اقصد بهذا القول طرفا بذاته من أطراف الصراع بل قصدي يطال الجميع سوا (سلطة امر واقع) أو (شرعية) أو (إنتقالي) أو (إصلاح ومشترك) الجميع مطالبين بأن يعودوا لطريق الحق، وطريق الحق هي طريق أمن واستقرار الوطن والمواطن..!
أن الشعب بلغ مرحلة حياتية لا تطاق ولا تحتمل ولا يرضى عنها لا الله ولا رسوله ولا أي صاحب ضمير وطني أو حتى يحمل بقايا من ضمير وطني، والوطن جغرافيا لم يعد يحتمل هذا التجريف الجغرافي وتهافت الأطراف الخارجية إقليمية ودولية وكلا على طريقته يسيطر على هذا النطاق الجغرافي أو ذاك.
أن العالم الخارجي قريبا كان أو بعيدا، صديقا أو عدوا لن يحل أزمتنا ولا تعنيه إلا بمقدار ما له من مصالح في وطننا، وقد لا تعنيه أزمتنا أن ضمن مصالحه وهذا ما يبدوا حتى اللحظة، فدول الجوار السعودية أو الإمارات تبحثان عن مصالحهما في بلادنا وكما تحاول الإمارات السيطرة على الجزر والمؤاني والشواطئ اليمنية وتوظيفها لمصلحتها وتحسين موقعها ومكانتها في _ مشروع الحزام والطريق _ وهو المشروع الذي تخاض عليه معارك طاحنة تمتد من وطننا العربي الى وسط اسيا الي أوكرانيا وصولا إلى مضيق تايوان وبحر الصين والمحيطات، معارك جيوسياسية محتدمة نحن فيها خارج المعادلة والحسابات والسبب غياب مشروعنا الوطني الواحد، وشيوع تناحرنا الذي دفعنا للأرتماء باحضان قوي إقليمية ودولية، قوي لن تدافع عن مصالحنا الوطنية ولن تكون حريصة على وحدة هويتنا الوجودية، لكن قرب بعضنا منها يعتمد على ما يقدمه لهذه الأطراف الخارجية إقليمية أو دولية من تسهيلات تضمن بموجبها مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية التي ستحققها على حساب مصالحنا الجيوسياسية والاقتصادية والوجودية.
لقد دعا الفريق سلطان السامعي _عضو السياسي الاعلى _في صنعاء وكرر دعواته لحوار وطني صادق وجاد ومسؤل، وحين يصدر هذا الكلام أو هذه الدعوة من شخصية سياسية مسؤلة تحتل مكانتها في أعلى هرم السلطة في صنعاء يجب أو يفترض أن يأخذ بها الطرف الأخر ويتعامل معها بإيجابية وبمسؤلية وطنية ومر ( العيب والعار) تجاهل مثل هذه الدعوة خاصة وهي صادرة من شخصية سياسية وطنية يعرفها جيدا الطرف الأخر ويعرف تاريخها النضالي الوطني، ودعوة كهذه تصدر من الفريق الشيخ سلطان السامعي، لم تصدر جزافا بل تعبيرا عن رؤية وموقف والمفترض والطبيعي التعامل معها بروح المسؤلية الوطنية وبوعي راق ومفتوح يفترض أن يتحلى به الطرف الأخر ورموزه، الذين عليهم أن لا يراهنوا على الخارج ليستقوو به على الداخل، فهذا الرهان لا يجدي ولن يجدي ولم يكسبه سابقا لا (البدر) الذي احتشدت خلفه دول الخليج والاردن وإيران الشاه وامريكا وفرنسا وبريطانيا وحتى الكيان الصهيوني، ويفترض أن تستوعب نخب اليوم هذه الحقائق وتدرك أنها تعيش العبث وتمارسه وتراهن على سراب.
أن من (العار) علينا كشعب يمني ونخب يمنية أن ننتظر أطراف خارجية لتفرض علينا الحلول وتجبرنا على الجلوس لطاولة الحوار والاتفاق، نعم سيكون هذا (عارا) تاريخيا تتناقله الأجيال المتعاقبة، وسيكون نقطة سوداء في مسارنا التاريخي ونحن من نتفاخر بأننا شعب الحكمة والإيمان.. الأمر الأخر وهذا ما يجب أن نستوعبه وهو أن من الصعوبة بل من المستحيل وكما سبق وأن أسلفت أن يفرض طرفا من أطراف الصراع نفسه وخياراته على الشعب والوطن، كما أن من الصعوبة أن يتفرد طرف بذاته بحكم اليمن سوي كانت موحدة أو مشطرة، وأن محاولة الوصول إلى خيار (التشطير) والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م سيكون خيارا كارثيا لن يحقق الاستقرار والامن لايا من (الشطرين) بل فعل سيفتح على من يراهنوا عليه أبواب الجحيم..!
على الجميع أن يدركوا وأقصد أطراف الأزمة والصراع أن أيا منهم لم يخوله الوطن والشعب ليكون معبرا عنهما، نعم نحن في أزمة بدت سياسية وانتهت أن أصبحت أمنية وعسكرية واجتماعية وثقافية، بعد أن راح كل طرف يسوق خطابه الإنتقاصي من الاخر والتنكر له ولوجوده وشرعيته وهويته الوطنية، وهذا الخطاب _لعمري _كان خطاب كارثي وغير مسؤل، خطاب لا يصدر عن نخب وطنية مسؤلة وذات مشروع وطني، بل مثل هذا الخطاب تسوقه أطراف وضعت مصلحتها الذاتية فوق مصلحة الوطن والشعب، ومع إستمرار الأزمة زادت ثقافة (كي الوعي) وثقافة التحريض على الحقد والكراهية، حتى أصبح لدينا جيل ضحية لهذا الخطاب التدميري رغم إدراك أطراف الصراع أن لا أحدا فيهم يمكنه أن يسيطر على الوطن ويتفرد بحكمه ويلغي الأخرين فلا مسؤلي صنعاء يمكنهم فرض سيطرتهم على الوطن والشعب بصورة كلية والتفرد بحكمهما، ولا (الشرعية) التي تتجول في عواصم الجوار والعالم تستجدي من يعيدها للحكم يمكنها أن تتفرد بحكم اليمن والسيطرة عليه..
وبما إننا أمام أزمة معقدة ومركبة، وبما إننا على يقين بأن من كان سببا في إشعال الأزمة لا يمكنه أن يكون جزءا من حلها، فأن المنطق يتطلب من أطراف الأزمة الارتقاء لمستوى المسؤلية الوطنية وان يتحملوا مسؤلياتهم بشجاعة وإخلاص، وأن يراعوا مصلحة الوطن والشعب وإمنهما واستقرارهما، وأن يقدم كل طرف منهم ( وجوه جديدة) تمثلهم على طاولة الحوار الوطني( وجوه) لم تلوث ولم تكن جزءا من الأزمة والصراع تكون ممثلة لكل الأطراف والأطياف الوطنية وأن يتفق الجميع على رعاية محايدة إقليمية أو دولية يتم التوافق عليها شريطة أن تكون هذه الجهة غير متورطة في الأزمة والصراع الوطني اليمني وتكون فعلا محايدة وصادقة النية في تحقيق أمن واستقرار اليمن وحريصة على إنها معاناة هذا الشعب التي لم تعد تحتمل رغم كل ما يقال ويسوقه أطراف الصراع الذين يعيشون في أبراج عاجية غير مدركين لما يعانيه الشعب وما يتحمل من معاناة قاسية ومؤلمة حد الوجع.
أن الفرصة متاحة أمام أطراف الصراع إذا ما رغبوا أن يهتبلوا اللحظة ويتكرموا ويخرجوا هذا الشعب من شرنقة البؤس والقهر ومكابدة الحياة التي لم يعهد لها مثيلا عبر تاريخه.. فهل يعود أطراف الصراع إلى رشدهم ويتقوا الله في شعبهم ووطنهم ويدركوا أن لا الله ولا رسوله ولا التاريخ سوف يرحمهم. |