ريمان برس - خاص -
تبقى مصر بكل دورها ومكانتها وتأثيرها الإقليمي والقاريء والدولي في دائرة الاستهداف الممنهج من كل ما يعتمل على الخارطة القومية والقارية، مصر التي تعيش اليوم حالة إستلاب إستراتيجي مخيف، حالة تستهدف مصر الدور والموقف وكأن المطلوب منها أن لا تكتفي بإغلال (كمب ديفيد) التي تكبلها، بل مطالبة بتقديم المزيد من التنازلات التي تجردها من أي فعل مؤثر إقليميا وقاريا ودوليا وتحويلها إلى مجرد (بازار) إقتصادي مفتوح تستعرض فيها منتجات الشركات العالمية وإعادة تصديرها إلى دول المنطقة دون حتى أن يتمكن غالبية المستهلكين المصرين من إقتناء هذه المنتجات نظرا لتدني الحالة الاقتصادية التي يعيشها أبنائها بعد أن تجاوز الدولار سقف ال(50) جنيها، ورغم الضجيج الرسمي الذي تسوقه وسائل إعلام النظام عن حالة إزدهار وهمي، فأن النظام يدرك أن كل ما يسوقه يأتي بدافع تخدير الوعي الجمعي للشعب، وإنه أي النظام منهمك في البحث عن مخارج لأزمته التي طالت دوره ووجوده وتأثيره الحضاري..!
يدرك النظام السياسي في مصر وتدرك كل مؤسساته السيادية بما فيها القوات المسلحة والأجهزة الامنية والاستخبارية ومراكز الدراسات والأبحاث التابعة لهم والتي تدرك أن مصر بكل دورها الحضاري والجيوسياسي تواجه مخطط إستهدافي هو حصيلة إتفاق (كمب ديفيد) الذي جعل من مصر هدفا لقوى الهيمنة الصهيونية الاستعمارية ولكن من خلال مخطط إستهدافي ناعم يجري تطبيقه وفق سياسة الخطوة _خطوة..؟
أن ما جرى في فلسطين ولبنان وسوريا وما جرى قبلهم في العراق واليمن والسودان وليبيا، أحداث ليست بعيدة عن مخطط إستهداف مصر وتطويقها بمزيدا من الأغلال التي تكبل حركتها وتمنعها من تأدية دورها الذي بالأساس تساهلت عليه مصر بذريعة الدوافع الاقتصادية، غير إنها وجدت نفسها اليوم تدفع اثمان باهضة تتجاوز وتفوق عن الثمن الذي كان يمكن أن تدفعه لو بقت مصر حاضنة للأمة متمسكة بدورها القومي الذي رسمه وحدد معالمه لها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذي وضع مصر كقائدة للأمة وزعيمة للعالم الثالث وصاحبة الدور الحضاري عربيا وإسلاميا وقاريا من خلال حضورها الفاعل في أحداث قارتي أفريقيا واسيا وهي التي تجميع بينهما جغرافيا.
إذا تأملنا اليوم وفق نظرية الربح والخسارة نجد أن مصر ام تكسب من إتفاقية (كمب ديفيد) ولم تكسب من (إتفاقية السلام) مع العدو الصهيوني، وأيضا لم تكسب من علاقتها الإرتهانيه مع واشنطن، بل خسرت مصر وكانت خسارتها فادحة ويدرك النظام في مصر هذه الحقيقة وتدركها النخب والفعاليات العربية في مصر ويدركها المفكرين في مصر الذين كثيرا ما حذروا من تبعات عن مصر عن محيطها القومي ودورها الجيوسياسي، كما حذروا من سياسة تجريد مصر من مقومات امنها القومي، غير أن ثمة طبقة أوجدها نظام كمب ديفيد، طبقة مصالحية ارتبطت مصالحها ببقاء مصر تحت مقصلة كمب ديفيد، هذه الطبقة تفضل اليوم مصالحها الخاصة على مصلحة مصر الأرض والشعب والدور والمكانة..؟!
هذه الطبقة للأسف بدأت خلال الأسابيع المنصرمة تدرك خطورة انتهازيتها وتدرك إنها راهنت على سراب العلاقة مع الكيان الصهيوني وامريكا خاصة بعد سقوط النظام في دمشق، مع ان معركة (سد النهضة) الإثيوبي كانت قد دقت أجراس الخطر مبكرا غير أن تهاون نظام كمب ديفيد ورهانه على أمريكا والكيان فعل ساهم في سحب البساط من تحت إقدام القاهرة التي تجد نفسها اليوم مجبرة على تبعية أنظمة الخليج التي سيطرت وان مؤقتا على المشهد فارضة على مصر خيارات مؤلمة، لكنها خيارات حافلة بالمخاطر التي تجعل تحرك مصر إزائها شكل من أشكال الانتحار..؟!
نعم لأن تماشيا مع تكبيل مصر جيوسياسيا تم تكبيلها بمشاريع اقتصادية عملاقة مع أنظمة الخليج وخاصة السعودية والإمارات، الأمر الآخر فأن قطر يبدو واضحا انها سيطرة على جناح الأمة _دمشق _وهذه سابقة تهدد دور مصر ومكانتها وقدرتها التأثيرية فيما الإمارات التي عززت علاقتها بالكيان الصهيوني وبدول القرن الأفريقي وخاصة إثيوبيا وهذا ما دفع مصر للتحرك في اتجاه دول القرن الأفريقي الصومال _ إريتريا _جيبوتي ولكنه تحرك في الوقت الضائع..!
أزمة مصر ترتقي اليوم لتكون أزمة وجود ودور بعد أن صارت أوراق الوطن العربي تقريبا بيد أنظمة الخليج التي ظلت تنتظر هذه اللحظات لعقود، وقد استطاعت هذه الأنظمة بمساعدة الكيان الصهيوني وامريكا من إحداث تحولات جذرية في خارطة التفاعلات الحضارية العربية وتعمدت من خلالها تجريد مصر من كل ادوارها الجيوسياسية والتأثيرية ومن دبلوماسيتها الناعمة، ويمكن القول إن دعوة الرئيس الأمريكي (ترمب) للقاهرة بأن تستوعب سكان غزة تأتي في سياق التأكيد على أن مصر أصبحت ( أسدا بدون مخالب) الأمر الذي شجع ترمب ليطلق دعوته غير آبه برد فعلها الذي لن يتجاوز حدود القلق والترقب، طالما وقاهرة المعز وعبد الناصر لم تتمكن من فرض خياراتها وحماية امنها القومي لا في فلسطين ولا في سوريا ولبنان ولا في ليبيا ولا في السودان ودول القارة الأفريقية الملتهبة ولا في اليمن ذات الأهمية القصوى لمصر وأمنها القومي التي دخلت ضدها مصر حربا الي جانب دول الخليج وامريكا والصهاينة.. أن مصر فعلا تعيش اليوم أزمة وجودية وأزمة دور وفعل ومكانة.. وتبقى التساولات هي كيف؟ ومن أين لمصر أن تواجه كل هذه التبعات؟ وما هي قدراتها في التحرر من الأغلال التي تكبلت بها؟!
وكيف نفسها من اصفاد كمب ديفيد التي لم تجلب لها سوي الشر والشر المطلق هو الارتهان لأعدائها من الأشقاء والاعداء..! |