ريمان برس -
قد لا اضيف شيئا لحضوره في الوجدان والذاكرة الجمعية، فهوا صاحب علاقة اجتماعية تمتد بامتداد خارطة الوطن، حاضرا في أوساط الترويكا الوجاهية والمشائخية والمرجعيات القبلية، كما هوا حاضرا في أوساط النخب الثقافية والسياسية، وفي الأوساط الاجتماعية والشعبية تجد بصماته، كما تجدها في أوساط الشباب ورجال المال والاقتصاد، حاضرا هو بكل هذه الشرائح والطبقات الاجتماعية، بإخلاقه العالية وبقيم تسلح بها وأخلاقيات تطبع عليها..
هو سليل أسرة عريقية عرفت بمكارم الأخلاق وبسموء المشاعر، وبحب الناس أيا كانت مكانتهم الاجتماعية..
( حفيد) لأنبل الرجال، وأشجع الرجال، وأكثر الوجهاء حكمة وحصافة وفراسة وقدرة على إستشراف ما هو آت، ومعرفة من انت، لمجرد أن تقف أمامه، ذلك هو الشيخ عبد الحق الأغبري _ الشيخ والمهندس العارف بالمشاعر _ العزيز عارف على عبد الحق الأغبري.. نعم هو ( حفيد) الهامة الوطنية والاجتماعية _الشيخ عبد الحق الأغبري _ هذا الرجل الذي شأت أقداره أن يغادر _ذات يوم مؤغل _ قريته وقلعة المصنعة وجبلها متجها نحو أرض _الحبش _ أثيوبيا حاليا _ متفقدا أبنا منطقته من المغتربين، فوجد أمامه _قضية مغترب من اهله _ دفعته لمقابلة إمبراطور أثيوبيا _ هيلا سلاسي _ الذي وقف مذهولا أمام بلاغة الشيخ وحكمته وحصافته ودبلوماسيته ورقيه في تعامله، فذهل الإمبراطور الذي توهم إنه أمام ملك غير متوج، فكان اللقاء بداية لعلاقة يمنية _اثيوبية متينة ومستقرة، وعاد حاملا رسالة الإمبراطور للإمام الذي ذهل هو الأخر مما أحدثته زيارة الشيخ عبد الحق لإثيوبيا، وإشادة الإمبراطور به، كان الإمام يعرف جيدا من هو الشيخ عبد الحق الأغبري، ولم يجد بدء من أن يهمس بأذن الشيخ بعيدا عن السامعين متوسلاً ومترجيا الشيخ أن يبلغه مسبقا في أي زيارة قادمة ينوي القيام بها..!
الشيخ عبد الحق الاغبري هو من التقي بعد الثورة بالزعيم جمال عبد الناصر والمشير السلال الذي قدمه للزعيم بأنه الشيخ الوحيد في البلاد الذي يعطي الدولة ولم يأخذ منها.. يؤمها قدم الشيخ دعوته للزعيم بتشريفه لتناول ( وجبة الغداء في منزله) ، قبل الزعيم بكل إعجاب وتقدير دعوة الشيخ، لكن للأسف حدث ما حال دون ذهاب الزعيم للدعوة، فحضر الشيخ في اليوم التالي حاملا (صرة) فيها ( 70 جنيها ذهبيا) وقدمها للزعيم ضيافته مقابل العزومة التي لم يتمكن من حضورها..
الشيخ والمهندس والعارف بالمشاعر، المتسلح بمكارم الأخلاق الذي قال عني كلام لم يسبق لي ان سمعته عن نفسي من قبل، إذ حملت سطوره تشخيص دقيق عني كإنسان وكاتب ومواطن ينتمي لهذا الوطن ولهذه الأمة والعالم، فكانت كلماته بمثابة_ أشعة أكس _ كشفت ما في أغوار النفس المتدثرة بغبار القهر، لكنه استطاع نفظ غبارها وبحروفه المستنيرة سبر اغوارها، فبديت أمام حروفه (عاريا) وجدانيا وفكريا وحلما وطموح ومشاعر..
هو لم ينصف _طه _ الكاتب، أكثر من انه أنصف _طه _الإنسان الحالم الذي حمل من الأحلام ذات يوم ما يكفي لتحمله إلى أفاق لا نهاية لها، قبل أن تجبرها وتجبره تداعيات الحياة واحداثها على تقليصها حتى اختزلت في بوتقة حياة _الكفاف _ المغلفة برغبة _ الستر _ حتى إكمال ما بقى من العمر المثخن بجراحات القهر و ( حراب الحاجة)..؟!
أعترف أن سطور (العارف) أذهلتني لكني لم اتفاجأ بها وهو الذي كان لسنوات كل ما مر بسيارته من شارع الستين القريب من الحي السياسي حتى وهو برفقة افراد أسرته الكريمة، يتوقف ليتفقد _العبد لله _ وغالبا ما كان ينتظر حتى نلتقي ويطمئن عليا، في ود ومشاعر أخوية صادقة مجردة من كل نوازع ذاتية أو مصلحة، لاشك أن هناك علاقات ربطتنا بالكثيرين دوافعها مصالح متبادلة إلا علاقتي بالشيخ المهندس عارف على عبد الحق الاغبري _حفظه الله ورعاه واطال بعمره _ كانت ولا زالت علاقتي به محكومة بمشاعر إنسانية راقية مجردة من المنافع، وفي ذات السياق من التماهي تقوم علاقتي مع أصدقاء آخرين من وجهاء (الأغابرة) منهم الدكتور غازي شائف والأستاذ رمزي شائف، والأستاذ فتحي الدومي، والأستاذ إبراهيم عبد الجليل عبد الرزاق الاغبري، الذي لم التقيه لكني تلقيت نفحات مكارمه ولمساته الإنسانية، والأستاذ رامز على عبدالحق ،
والاخوة الافاضل محمد، وأحمد، وعادل أولاد المرحوم الحاج عبد القوي عثمان، ذلك الرجل الذي رحل عن دنيانا لكن بصماته ستظل عالقة في أعماق مشاعرنا الوجدانية، كما سيظل حاضرا بيننا من خلال أولاده الذين يواصلون السير على طريقه.
كوكبة من الهامات أجد فيهم كل مشاعر الصدق والوفاء والاحترام المتبادل، وفيهم من مكارم الأخلاق ما يدفع كل من يعرفهم عن قرب إلا أن يحني لهم هامته ويفتخر ويتفاخر بمعرفتهم، لأنهم يتحلوا فعلا بكل القيم الإخلاقية والإنسانية الراقية، إذ لا تجد عندهم نوازع الغرور والتباهي ولا مظاهر التكبر، رغم ان هناك من هم دونهم بكثير تستوطنهم كل مظاهر النرجسية والتكبر والتعالي..؟!
ختاما اعترف بعحزي في التعبير عن مشاعري تجاه الشيخ العارف وما سطره عني من توصيف أعتز به وافتخر واعتبر ما كتبه العارف عني شهادة ووسام شرف، وكل أملي أن ارد له ولو جزءا من مكارم غمرني بها بدماثة اخلاق وسرد معنوي وأدبي.. وهذا ما سأتركه لقادم الأيام.
صنعاء في 25 إبريل 2025م |