ريمان برس - متابعات - كل عام يمر في اليمن يجعلنا ننسى ما مضى من دروس وعبر. إن الذاكرة ضاعت تماماً عمّا كنا نقوله في العام الماضي وإلا كيف نفسر المؤتمر الذي انعقد في صالة 22 مايو من أجل صعدة وتوحد الشيخان المتحاربان اللذان أهلك الحرث والنسل ورفعا «شعار» من أجل صعدة نعمل ومن أجل الحوثي نتوحد. لقد دارت آلة طحن قاتلة بلا هوادة وتحت شعار الثورة أصبح الحوثي جزءا من المشهد الثوري ورفعت شعارات التسامح والتصالح والوحدة وقدمت دروس لمن لا يعرف مدرسة ولا كتابا.
ارتفعت الأصوات الزاعقة والشعارات المظللة ومن ورائها تقف الايديولوجيات يحركها أناس زعموا أنهم مرسلون من العناية الإلهية لكي ينقذوا الحوثيين والحراكيين من الظلم الذي وقع عليهم من النظام السابق الذي لم يعد مقبولاً ولا يمكن التسامح معه. إلى الدرجة التي جعلت البسطاء من الناس على استعداد للموت وتقديم الدماء للتخلص من مثل هذا النظام الذي ظلم الحوثيين والحراكيين حتى أصبح الجميع يرفعون شعار «أنا الشهيد القادم».
وها نحن اليوم نرى خطابا اقصائيا للحوثيين وللحراكيين حتى وجدنا أن أصحاب ذلك الخطاب لم يكونوا أكثر من احتكاريين وبدا فسادهم اليوم كبيرا وببساطة طفح الوقت معششاً لا يبرره إلا أسطورة الدولة المدنية والخوف من نقسيم البلاد والتشرذم لكننا اليوم أمام التقسيم والتشرذم تحت مبررات شتى أهونها الفيدرالية. نحن اليوم أمام صراع مميت وتقسيم جغرافي مخيف وسبب ذلك أن آفة النسيان تلف الذين زعموا أنهم ثوار لقد كلفوا الوطن ثمنا غاليا وأتاحوا الفرصة من جديد لأولئك الذين كانوا قد استنفدوا كل إمكانيات بقائهم ووصلوا إلى طريق مسدود لقد برروا لهم المضي في الطريق إلى آخره على أجساد الضحايا والشعب الذي أقسموا على حمايته ورعايته.
لقد كانت النتيجة واحدة سواء بالأمس واليوم لكن آفة النسيان تسيطر علينا فكلما تخلصنا من مستبد زرعنا مستبدا آخر في جولة جديدة.
ها نحن اليوم نقف على عتبات أبواب الحوار تتنازعنا الشرعية والشارع الدولية والثورة.
ربما يكوّن حالنا أفضل من تونس ومصر وليبيا وسوريا إذا أحسنا إدارة الحوار واغتنامه كفرصة لتشكيل مستقبلنا من الآن.. وإذا كنا بالأمس نقاتل باليد فعلينا أن ندخل مؤتمر الحوار بالعقل والتفكير بما سنفعله من أجل الدولة وبنائها والمستقبل وتشكيله، نحتاج إلى استيعاب الحوثيين والحراكيين وطمأنتهم بأن حقوقهم ستكون مكفولة من قبل الدولة المدنية وإننا سنعمل كقادة موحدين فلا معنى للصراع والمنافسة بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة، نحتاج إلى دستور، ونحتاج إلى نزع فتيل المناطقية والطائفية ونزع ثقافة الانتقام التي لا تفرق بين متهم ولا بريء.
ولست بحاجة للقول أن الشباب اليمني بحاجة إلى التفريق بين الهيئات الجماهيرية والثورة حتى يستطيع تقديم رسالته لمؤتمر الحوار بشكل واضح وسليم، فالأولى تطيح برأس النظام ثم لا شيء بعده ، أما الثانية فهي تطيح بنظام وتقيم آخر ديمقراطيا، وبقراءة بسيطة للخطاب السياسي الذي تتداوله القوى السياسية لا نجد أن شيئاً سوف يتغير لكننا نقول أن مدنية الدولة تظل ممكنة فيما لو تغيرت اتفاقات وتوافقات وظهور تحالفات جديدة تضع دستورا يعد لانتقال السلطة إلى الجماعة المدنية.
إن اليمن تمر بمرحلة انتقالية صعبة وعلينا أن نستفيد من مجريات الأحداث في الدول الأخرى فنحن أمام ثنائيات مزعجة إمّا الانتقال منتظماً أودامياً نمضي بيقين أو عدم اليقين، الأستقرار أو الفوضى والاضطراب.
وعلينا ان ندرك بأن احداً لن ينتظرنا اثناء الفترة الانتقالية فعلينا أن نمضي نحو التحول والا ننشغل بأمور ثانوية تعيقنا عن المشروع الرئيسي المتمثل بالديمقراطية والدولة المدنية واللحاق بالعالم المعاصر، كل ذلك يحتاج إلى الحفاظ على رأس المال الاجتماعي الذي نمتلكه في هذا البلد وعلينا تنميته كي يحافظ على النظام السياسي، فغياب رأس المال الاجتماعي لا يسقط السلطة فحسب بل يسقط المعارضة أيضاً التي تحاول وراثة السلطة وهي لا تستند إلى أسس فكرية أو اجتماعية تكفي لإدارة الدولة. لم يبق على الحوار الا يوم واحد وبعدها تظهر الحقيقة فاتحة طريق الحرية أو تقود اليمن إلى حيث يكون الفزع مروعا وقاسياً.
*صحيفة الثورة |