ريمان برس - خاص -
فجعت مساء اليوم برحيل الوالدة الفاضلة ( ثبوت علي سعيد العامري ) حرم الوالد الراحل ثابت احمد زايد العامري ووالدة الأخوة سعيد وعبد العزيز ومحمد ونجيب وبسام ثابت احمد وشقيقة الشهيد محمد علي سعيد العامري الذي سقط في مواجهة الاستعمار البريطاني في مدينة المعلاء من أجل تحرير الشطر الجنوبي من الوطن فالشهيد محمد علي سعيد كان أحد أبطال حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني واحد مناضلي الاتحاد العمالي ..والراحلة تعد بمثابة أما لي فقد ارضعتني وسرى حليبها الطاهر في دمي وكانت طيلة حياتها تراني واحدا من أبنائها وكنت أرى فيها الام والخالة اخت الام وهي كانت لامي بمثابة الاخت كما هي ينبوع الحنان وصاحبة القلب الكبير الذي يتسع لما لا يحتمل من قساوة الحياة ..رحلت ونحن تائهين في دنياء أجبرتنا قهرا وقسرا وعنوة على التيه والاغتراب فتقطعت ارحامنا وعجزنا عن إيصالها ..نعم اخذتنا الدنيا بقساوتها وقهرها بعيدا عن دروب افتراضية كان يجب أن نسير عليها ، لكنها إرادة الله وما شاء فعل سبحانه لاراد لقضائه وحكمه فهو وحده الذي يقول للشيء كن فيكون ..
رحلة ( امي ثبوت علي ) بعد عمر حافلا بالتضحية والايثار وتربية اولاد فكانت للوالد الحاج ثابت احمد زائد العامري بمثابة الزوجة وشريكة الحياة ورفيقة الدرب كما كانت لأولادها الام والصديقة والمربية الفاضلة وينبوع الحنان والحكمة في التربية والصبر على قساوة الحياة ..
وقفت المرحومة بكل صبر وأباء خلف الزوج والأولاد فكانت لهم الحاضنة والراعية والمحتسبة الصابرة حتى تمكنت من ايصالهم جميعا بصبرها وبركاتها وتسامحها ومحبتها إلا أن يصلوا إلى مستوى اجتماعي انتقلوا به إلى مكانة مرموقة اجتماعيا وعلى مختلف المستويات ، وتحقق لهم بفضلها كل ما حلمت به لهم وسهرة من أجلهم حتى تحقق لهم الكثير مما كان في طفولتهم مجرد احلام ..
سنوات طويلة عشتها بالقرب منها وعرفت عظمتها وسعة قلبها ، نعم كانت ينبوعا للحنان وسيدة رحلتها مثلها مثل أي امرأة ريفية عصامية وقفت على رأس اسرتها فكانت المرشدة للزوج وشريك الحياة والمربية الفاضلة للاولاد ثم الاحفاد وكلهم بدعواتها وبركاتها وصلوا إلى مراتب اجتماعية وعلمية واقتصادية مرموقة وما كان كل هذا يمكن أن يتحقق لولاء تضحيات وسهر وإيثار الراحلة التي أعطت كل حياتها للزوج والابناء .
كنت طفلا صغيرا لا يتجاوز الثامنة من العمر حين طلع والدها الحاج الفاضل المرحوم علي سعيد العامري وكان صاحب حظوة وهيبة ومكانة اجتماعية ، وقد طلع غاضبا من الوالد المرحوم الحاج ثابت احمد وكانت نيته أخذ ابنته المرحومة الحجة ( ثبوت ) كنت يومها العب مع الأخوة سعيد وعبد العزيز وعدد من اولاد القرية أمام الدار ورغم غضب الوالد علي سعيد إلا أنها استطاعت وأمامنا أن تمتص غضبه وتهدئ من روعته اتذكر الحادثة جيدا لكني لا اتذكر سبب الخلاف أو تفاصيله لكن اتذكر شكل الوالد المرحوم علي سعيد وأتذكر أنه وبعد أن هداء غضبه أخرج من جيبه حبات ( النعناع أو المليم ) وراح يوزعها لنا وحين توقف امامي سألني بن من انت ؟ فأجبته اني بن احمد سعيد فتبسم وأخرج لي من جيبه المزيد من تلك الحلوى وقال انت بن ( تاج عبده ) سلم لي على امك وقله خالك علي يسلم عليك ..وأتذكر اني عدت للبيت غاضبا وشبه باكيا ليس لشيء بل لأن هذا الرجال ذكر اسم امي ..؟!
ولم أهدأ إلا بعد أن قضت امي رحمة الله تغشاها ردحا من الوقت تقنعني أن هذا الراجل هو جدي وخالها وان علي أن لا ازعل منه أن ذكر اسم امي ..!!
لا اعرف حقا ماذا اقول وكيف أتحدث عن إنسانة ارضعتنا حليبها مع اولادها واعتبرتني أحد أبنائها ، لكن للاسف قساوة الحياة احرمتنا اللقاء والتواصل خلال السنوات الأخيرة اي منذ تفجرت أزمة هذه البلاد واحرمت الناس التواصل وإيصال صلة الرحم حتى صار الاخ لا يعرف كيف حال اخيه أو أخته وكل واحد غارف في همه الذاتي والأسرة الواحدة صارت موزعة على مدن وقرى الوطن لكن تبقى غربتي وتيهي لا مثيل لهما، ومع ذلك تبقى رحمة الله واسعة وقدر الله لا نقابله الا بمزيدا من الحمد والشكر والصبر حتى يفرج الله عنا وعن البلاد والعباد ..
رحمة الله تغشاك يا خالتي ويا امي ويا صاحبة القلب الكبير وينبوع الحنان والإحسان ..رحمك الله وأسكنك فسيح جناته وليس أمامي إلا ادعي لك بالرحمة كما ادعي لامي وابي فرحمكم الله جميعا واسكنكم فسيح جناته وانتم السابقون ونحن اللاحقون ..أن لله وان اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم . |