ريمان برس - خاص -
يمكن القول أن جدلية العلاقة الاجتماعية المتنافرة داخل المكونات العربية _الإسلامية التي شكلتها إرادة السيدين (سايكس _بيكو) مطلع القرن الماضي، لم تكون جديدة على هذه المجتمعات التي تخوض في هذا المعترك التنافسي منذ ما قبل الإسلام ومع بروز فجر الإسلام ظلت هذه المنافسة قائمة حتى يخيل للباحث والمهتم بالتاريخ وإحداثه أن كل ما جاء به النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام من قوانين وشرائع وقيم ومفاهيم أخلاقية وحضارية غايتها الارتقاء بحياة الإنسان وضمانة حقوقه بالحياة والحرية والكرامة، وحقه بالعلم والمعرفة والتقدم والتنمية والاسهام في رفد الحضارة الإنسانية، إضف الي كل ما جاء به الدين الإسلامي الحنيف، ما تركه لنا رسولنا الكريم من قيم وأخلاقيات سلوكية، كل هذا لم يتمكن رغم قداسته من منح المجتمعات العربية الإسلامية قدرا من الأمن والسكينة والاستقرار، لتبدا رحلة التنكر لكل هذا من (سقيفة بني ساعدة) التي منها انطلقت رحلة الصراع على السلطة والنفوذ والسيطرة وحشد وتطويع الاتباع..؟!
أن التأمل في تداعيات المشهد العربي الإسلامي بصورة فردية جماعية يجد نفسه عاجزا عن توصيف ما يجري إلا بكون ما يجري حصيلة طبيعية لحالة التخلف التي تعيشها هذه المجتمعات التي لا تزال تمارس قيم وثقافات الانتماء آت العصبية قبلية وفئوية ومذهبية وطائفية، غارقة في سلوكيات ومفاهيم وقيم عنصرية، ويرى كل مكون في هذه المجتمعات أن السلطة غاية يجب السيطرة عليها، ليس لتقديم نموذج وطني أو إسلامي مجبول بالرؤية الجمعية ومسلح بمشروع وطني جامع قائم على تكريس قيم ومفاهيم عادلة مؤمنة بوحدة المواطنة ويتقدم وتطور المجتمع.
أن المجتمعات العربية _الإسلامية لم تعرف الاستقرار والسكينة وخاصة المجتمعات العربية التي تعيش حالة احتراب اجتماعي مريع والتوقف أمام تاريخ العرب قطعا يشعر بالخجل أن كان عربيا وان كان مسلما يجد نفسه يشكك في حقيقة أن العرب هؤلاء (هم خير أمة أخرجت للناس) وأنهم ينتمون الي سيد البشرية والرسول الخاتم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي جاء برسالة التوحيد ورحمة للعالمين، فيما الآخر الحضاري الذي لا علاقة له بالعروبة والإسلام يجد نفسه يتعامل بسخرية مع العرب والمسلمين، لكنه يضطر للتعامل معهم تعامل (السيد) مع ( عبيده)..؟!
أن المجتمعات العربية لاتزل محكومة بثقافة (داحس والغبراء)، ولا تزل تجتر مآثر (اللات، والعزة، وهبل) ولكن بطرق مختلفة، إذ استبدلوا هذه (الاصنام الثابتة) بأخرى متحركة لا حصرا لها، فيما لم يتمكن الدين الإسلامي وسنة وتعاليم الرسول الكريم من طمس ثقافة العصبية والفئوية والنزوع العنصري لدى البعض بل اتخذ هؤلاء العرب والمسلمين من الإسلام معملا لتفريخ المزيد من الظواهر العصبية من خلال تكريس (المذهبية) وتعدد المدارس الدينية والتي تم توظيفها لتحقيق أهداف سياسية وقد ضاعفت بدورها من أزمة هذه المجتمعات وتشرذمها وتفرقها وأفتعال المزيد من أسباب ومبررات الاحتراب فيما بينها..!
والمؤسف أن هذا الاحتراب اتخذ له أسباب ومبررات وذرائع (دينية) و (وطنية) إذ نجد المتناحرين داخل هذه المجتمعات يتقاتلون بدوافع إما (دينية) وإما (وطنية) والحقيقة أن الدين والوطن في خطاب المتصارعين ليس إلا وسائل لحشد الاتباع وتضليلهم فيما واقع الحال يؤكد أن الصراعات دافعها السلطة والثروة والسيطرة وفرض إرادة القلة المسلحة على الغالبية الوطنية المجردة من السلاح والتي لم يؤخذ رأيها في هذه الحروب والصراعات ولا فيمن تريد أن يحكمها..؟!
يتبع
20اغسطس 2023م |