ريمان برس -
ثمة علاقة جدلية بين (زمكانية) الأحداث والتداعيات وبين (عقليات إدارتها) المجبولة بكل مفردات الاستلاب لوعي المتلقي _الضحية _في سفر التراجيديا الحضارية الراهنة..
حدثنا التاريخ عن حكاية وقصص (راسبوتين) ومهنيته العالية والأحترافية في نسج المؤامرات، وحياكة تفاصيلها في الغرفة المعتمة، وقدرته على التلون والتشكيل بعدة شخصيات، وتمكن بدهائه أن يفرض قوانينه وتسويق فلسفته وطقوسه في محاكات غرائز البعض ممن أدمنوا التسلط، وكما ترسخت فلسفة (ميكافيللي) صاحب ( كتاب الأمير) القائل بأن ( الغاية تبرر الوسيلة) وهو مبدأ يجمع بين إنتهازية السلوك ورغبة التملك في الأشياء كحق مكتسب وأن كان المراد امتلاكه ملك الأخرين..!
غير أن هناك من جمع بين فلسفة (ميكافيللي) الأنتهازية ونظرية (راسبوتين) التسلطية، فتماهي بشخصيته مع شخصية (الحجاج) الذي جعل من (القسوة والطغيان) وسائل لتغطية عقد الشعور بالنقص التي تستوطنه..؟!
ثمة آخرين اقتفوا إثر (شايلوك) المرابي (اليهودي) في مسرحية ( تاجر البندقية) لوليم شكسبير، حيث أعتمد أمثال هؤلاء على (المال) كهدف للحصول على مكانة اجتماعية مرموقة، لا يهمهم كيف؟ ومن أين؟ سيأتي المال، وبأي طريقة سيجمعوه ألمهم عندهم أن يصلوا إليه..؟!
كثيرون من هؤلاء بل يكادوا يكونوا الغالبية في واقعنا الوطني والعربي بشكل عام من يعتمدوا على (المال) لتغطية عقد النقص التي تستوطنهم ولتجميل صورتهم القبيحة، وأن بصورة حافلة ب( الأطياف السريالية) وخطوطها المتشابكة والمتداخلة والعصية على الفهم والتفسير..؟!
هذا الاعتقاد (المادي) يستوطن الأفراد كما يستوطن بعض الحكام والأنظمة التي يسيطرون عليها ممن يعتقدون أن (المال) هو السلاح الأمثل القادر على منحهم مكانة تنسيهم حقيقة جذورهم وأصولهم، لدرجة أن المراقب المتابع لسلوكيات أمثال هؤلاء يجد نفسه يستحضر فلسفة (الحلاج) شهيد الحق والحقيقة القائل ذات يوم لأهل زمانه (أنتم وما تعبدون تحت قدمي) بلغ أن بلغ مرتبة من الزهد واليقين بالله حد قال فيه ( أنا الله والله أنا) مترجما حكمة ورغبة الله الذي جعل الإنسان خليفته في الأرض وكرمه وانزله منزلة لم ينزلها أيا من مخلوقاته بما فيهم الملائكة الذين يسبحون بحمده دون توقف ومع ذلك أمرهم أن يسجدوا للإنسان الذي كرمه لكن الإنسان اوغل للأسف في إهانة نفسه حين أنجرف وراء ملذاته ورغباته دون إكتراث للقيم والأخلاقيات المفترض أن يلتزم بها..!
(الحلاج) وهو الشهيد والشاهد على عبودية الناس (للمال) عاش في زمن ربما لا يختلف فيه الإنسان عن إنسان اليوم الذي يرى (المال) هدف وغاية تهون من أجله كل القيم وتسقط أمامه كل المبادئ لدرجة أن الناس ممكن تتنازل من أجل المال عن كل شيء مهما كان مقدس..؟!
أن (شايلوك) لم يكن وحده (اليهودي) المرابي بل له اتباع ومريدين من كل الأديان والمذاهب والطوائف ( ملحدين_ وموحدين) وبلاء (دين) الكل يعبد المال، والكل يرى فيه تغطية للعيوب وإكمال لما فيه من عقد النقص، والأدهي أن هؤلاء جمعوا للأسف بين فلسفة (راسبوتين _ وميكافيللي _وشايلوك) واحتلوا مكانة متقدمة في سلم (الطغاة) بما يتجاوز (طغيان الحجاج)..؟!
لكن يبقى (الحلاج) الشهيد والشاهد والثائر الزاهد هو إيقونة الزهد وعنوان اليقين، ويبقي خصومه هم الحاضرين دوما وفي كل الأزمنة والأمكنة..!
ويبقى (الحجاج) حاضرا بطغيانه ومقاصله، فيما (راسبوتين) يواصل نسج المؤامرات في دهاليز القصور وفي (مخادع) أصحاب الجلالة والفخامة والسموء، كما هو حاضر في صالونات الساسة، فيما (شايلوك) يتحرك في أوساط العامة حاملا ( ساطوره) يقتطع من ( لحوم البشر) ثمن الهواء الذي يتنفسوه وثمن الأنتماء (الزمكاني) وثمن الهوية..؟!
وعلى ( محراب المساجد) و( الأديرة) و (الكنائس) يرابط ( كهنة الأديان) حملة مباخر السلاطين والطغاة من فقهاء التظليل يتحدثون وبجلافة حد الوقاحة أن (المؤمن ممتحن) وأن ( مات جوعا) وأن (الفقير) وأن تعذب بالدنيا فهوا معوض ب( الجنة) في الأخرة..؟!
وبالتالي عليه أن يتقبل حياته المعدمة في الدنياء وأن لا ينغص حياة الفاسدين الأثرياء من أموال الشعوب، لأن الله هو مقسم الأرزاق، وهذا هو (الكفر والزندقة) لأن الله سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه فكيف يسمح لمخلوقاته أن تظلم بل توعد الله الظالمين بجهنم والفاسدين ليس إلا عصابة من الظالمين..؟
تنويه :
الموضوع مستوحاء من زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة
ودون الغوص بالتفاصيل.
صنعاء في 15 مايو 2025م |