ريمان برس -
" تعز" مدينة وريف، وعلى امتداد نطاقها الجغرافي وتضاريسها " تعاني" معاناتها لاحدود لها، وازمتها أيضا، ومنذ البداية كانت " تعز "، وبداية معاناة " تعز" ليست وليدة " أحداث 2011م" ولا حتى أحداث " ثورتي سبتمبر 1962_وأكتوبر 1963م "..!
معاناة " تعز" بدأت فعليا مع خروج أخر " جندي عثماني" منها وإبرام " صلح دعان" وتعين الإمام يحي رئيسا " للمحكمة الزيدية " حسب " نص اتفاق الصلح" واعتقد ان كثيرون من جيل الثورة وما بعدهم لم يطلعوا يوما على مضمون "صلح دعان "حتى أن بعضهم يتحدث عنه عن إستماع وليس عن إطلاع..!
ما يجري اليوم في " تعز " ليس وليد المرحلة بل له تراكمات ومقدمات تعود للعقد الأول من القرن الماضي، وتحديدا منذ قرر عبد الله الوزير " فتح تعز" للإمام يحي ..!
لن اخوض طويلا في الماضي التعزي، لكني سأكتفي إلى لفت أنظار من يهتم بحال تعز، واقول له ان ما يجري _اليوم _في تعز ولتعز ليس وليد الصدفة ولا نتاج التداعيات الراهنة، ولكنه يحمل مقدمات وترسبات وتراكمات حاول تجاوزها أبناء تعز، يوم بزغ فجر سبتمبر 1962م، وحاولوا بصدق وجدية، وضع أسس ومداميك، لوطن يمني جامع، وطن متقدم ومزدهر ومتطور، قادر على مواكبة التحولات الحضارية والإنسانية من حوله، واللحاق بركب التطورات الإنسانية، ومغادرة نفق التخلف وكهف الجهل، الذي وضعته فيه الأنظمة المتعاقبة السابقة للثورة والجمهورية..
كانت ثورة 26 سبتمبر وثورة 14 أكتوبر، حلم وأمنية أبناء تعز شبابا وشيوخا، رجال أعمال، ومثقفين، وعلماء، ورعية، كل أبناء تعز بمختلف طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية، راؤ في الثورة إنعتاق وتحرير من براثن الجهل والتخلف، وإنها _أي الثورة _سوف تشكل قاعدة اساس لبناء دولة يمنية قوية، راسخة وعادلة، دولة مساواة، ومواطنة ونظام وقانون، يحكمها ويسير شئونها، ويطلق العنان لقدرات أبناء الوطن للأسهام في بناء وطنهم ودولتهم، ونظام سياسي متوافق عليه، من قبل الجميع، بعد أن عاش الجميع، وذاق الجميع مرارة وقهر وتخلف وجهل وظلم وطغيان أسرة "حميد الدين"..!
الثورة كانت حلم نخب ووجهاء ورموز ورجال أعمال تعز، الذين للأسف اصطدموا بواقع مرير بعد " إذاعة البيان الأول للثورة"..؟!
حين أدرك عقلاء تعز ورموزها، الذين كانوا خلف الثورة أن " الثورة ازاحت طاغية" لكنها لم تزيح " موروثات الطغاة"..؟!
لكن التركيبة" السيكلوجية" والقناعات السياسية والفكرية والشعور الوطني والرؤية الاستراتيجية، التي استوطنت رموز ووجهاء ومرجعيات هذه المدينة، عوامل دفعتهم للرهان على " المستقبل" الذي سوف يتكفل باذابة " الاحتقانات والنزعات التسلطية" لدى بعض شركائهم في الوطن، غير أن هذا " الرهان " اخفق لأسباب عدة أبرزها وأهمها " سببان يتمثلان : في نزوع لا يخلوا من التطرف والمغامرة لدى نخب تعز السياسية والفكرية المؤدلجة..!
ونزوع يتماهي مع نزوعهم، ويسير بطريق معاكسة لهم، تمثله ترويكا القوى التقليدية، بجذورها القبلية، الرافضة للدولة الوطنية التي يريدها ويرغب بها" أبناء تعز " وحاولت ترويكا التسلط القبلي نفوذها العمل على إعادة فرض سيطرتها والهيمنة، وإعادة إنتاج ما كان ولكن بصورة جديدة وتحت راية جديدة ..؟!
الأمر الأخر وكان بمثابة " ذريعة" يلجأ إلى توظيفها أحد أطراف المعادلة الذين يمثلون ترويكا القوي التقليدية، كان بقايا " فلول النظام السابق" الذين سرعان ما ربطوا أنفسهم بتحالفات إقليمية ودولية، فأعلنوا الحرب ضد الثورة، ومع تبني " مصر عبد الناصر "دعمها للثورة اليمنية، كان من الطبيعي تحول _اليمن _إلى ساحة لصراع إقليمي ذات أبعاد محورية دولية وحسابات قطبية..!
ولم يتردد أحد أطراف المعادلة في إستغلال وتوظيف تداعيات المواجهة مع الطرف الثالث، الذي يمثل الماضي ليحاول فرض قناعته على الثورة وأهدافها، وعلى الدولة وشكلها، وعلى قيم المرحلة الجديدة بكل تحولاتها..!
واقع مؤلم تفجر أمام الجميع، تجاوز فيه الكل معطيات الواقع ومتطلباته، وغادرت " الحكمة اليمانية" الجميع وأصبح انتصار الذات خيار ورهان ومصير كل طرف..!
ودفعت " تعز " ورجال أعمالها، ورموزها السياسية والاقتصادية والتجارية، وشبابها ووجهائها ونخبها السياسية ثمنا باهضا، ودفع الوطن أيضا الثمن، ومن يقف أمام مفردات وحروف كتاب المناضل المرحوم عبد الغني مطهر" يوم ولد لليمن مجده" سيجد خلف سطوره حقائق مؤلمة عن حلم تعزي برؤية وطنية، كان واندثر..!
ومن تابع " لقاءات وتصريحات" الحاج علي محمد سعيد أنعم _أطال الله بعمره _والحاج المرحوم أحمد هائل سعيد أنعم _طيب الله ثراه _سيجد ما غفل البعض عن قوله..!
واستشهدت بهؤلاء " الرموز الثلاثة " لسبب وجيه إنهم لم يكونوا " مؤدلجين" وتحدثوا بشفافية مؤلمة، عما كان وان كانت مغلفة بالحكمة والحصافة، رغبة منهم ان لا يتسببوا باحراج أي طرف من الأطراف وبهدف تطبيع النفوس وترويضها من أجل التعايش والسكينة..!
إضافة إلى كونهم عاشوا مرحلة المخاض قبل الثورة، وكانوا في قلب الأحداث بعدها،وعاشوا وشاهدوا كل المواقف ومن كل الأطراف وتعد شهاداتهم من الواقع..!
إذا ما يجري اليوم في " تعز" ولتعز ليس بعيدا عن حسابات الماضي القريب والبعيد، سوي تعلق الأمر بعلاقة "تعز" وأبنائها ب" صنعاء" ، أو تعلق الأمر بعلاقتهم ب"عدن"..!
وكما دفعت " تعز" بالأمس البعيد والقريب ثمن انتمائها الوطني، فأنها كذلك تدفع اليوم ثمن هذا الأنتماء..!
فهي حاضرة الوطن وإيقونة تحولاته الحضارية، وقدرها أن تكون كذلك، وقدر أبنائها أن " يكتوو، ويكوو"محافظتهم ومن فيها، انطلاقا من نزوعهم الوطني ورغبتهم في تأسيس دولة مواطنة متساوية، لهذا لا يزعجنا ولا أخاف مما يحدث اليوم فيها إلا معاناة الناس، لكني على ثقة بأن تعز عصية على الاستلاب، وعصية على كل المظاهر العبثية، التي تعد ظواهر عابرة لمحافظة تبقى هي رغم ما يحدث صاحبة ومالكة القرار المصيري الوطني..؟!
وتملك من مقومات الفعل ما لم تملكه أي محافظة أخرى، وكطائر " الفينيق" سوف تنهض تعز من تحت الركام سليمة معافي مع كل الوطن وعما قريب باذنه تعالى.
صنعاء في 29 مايو 2025م |