ريمان برس -
عبدالغني اليوسفي
تدهور الغطاء النباتي
الغطاء النباتي وتدهوره في مديرية السياني
كانت مديرية السياني في إب باليمن، واحة خضراء غنية بالتنوع النباتي، حيث كانت الجبال تكسوها أشجار مثل الأثبة والطولقة والثعلب والسمر والعسق والقرض والأثل والعثرب وبلس التين. كما كانت المدرجات الزراعية تحتضن محاصيل أساسية كالغرب والذرة الحمراء والفاصوليا والدخن. كانت شجرة القات نادرة الوجود، تقتصر على قمم الجبال ومدرجاتها القليلة. أما الأودية، فكانت تتدفق فيها مياه السيول، مما كان يوفر بيئة مثالية لإنتاج العسل الطبيعي، وكانت الحياة الحيوانية مزدهرة بوجود الأبقار والماعز والضأن والحمير.
لكن هذه الصورة المثالية بدأت تتغير بشكل جذري. ففي عام 1967، قُطعت شجرة أثبة عملاقة كانت تؤوي آلاف الطيور، إيذانًا ببدء تدهور بيئي سريع. تراجع هطول الأمطار بشكل ملحوظ، مما أثر على الحياة الاقتصادية ودفع السكان لبيع مواشيهم. تزامن هذا مع بدء الاحتطاب الجائر للأشجار لاستخدامها كعلف للحيوانات المتبقية، وانتشار رعي الماعز ليلاً الذي قضى على الغطاء الأخضر. تفاقمت الأزمة بسبب شح المياه الصالحة للشرب، ورغم حفر العديد من الآبار، لم تتحسن الأوضاع. أدت هذه الظروف إلى هجرة سكان الريف، خاصة من منطقة إيهار، بحثًا عن الماء وفرص العيش، مما أسفر عن هجر قرى بأكملها. يضاف إلى ذلك، الانتشار الكثيف للمخلفات الصلبة التي تهدد البيئة وتزيد من تدهورها.
تُعزى هذه المشكلات البيئية الخطيرة إلى عدة عوامل، أبرزها استنزاف المياه الجوفية نتيجة الحفر العشوائي للآبار، والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية، وتوسع زراعة القات التي تتطلب كميات هائلة من المياه، بالإضافة إلى الاحتطاب الجائر والرعي الجائر (خاصة الإبل)، مما أدى إلى تدمير الغطاء النباتي بشكل أسرع وفقدان التنوع البيولوجي وتآكل التربة وانتشار التصحر. هذه الممارسات لها تأثيرات كارثية على مراعي النحل، حيث تقلل من مصادر الغذاء وتدهور جودة العسل، وتساهم في التغيرات المناخية بزيادة انبعاثات غازات الدفيئة وتغيير أنماط هطول الأمطار.
تأثير المناخ على البيئة :-
المناخ وعناصره وتأثيرها على البيئة في السياني
تشهد مديرية السياني حاليًا تغيرات مناخية قاسية، تتجلى في ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، مما يحولها إلى منطقة تعاني من جفاف وحرمان متزايدين. في يونيو 2025، سجلت درجات الحرارة ارتفاعًا ملحوظًا، لتصل إلى 27.9 درجة مئوية كحد أقصى و22 درجة مئوية كحد أدنى، مما يذكر بسنة 2024 التي شهدت ظروفًا مناخية مماثلة على مدى 76 عامًا من الرصد. هذه الظروف تتناقض بشدة مع ماضي السياني، ففي عام 1989، سجلت المنطقة أعلى معدل هطول أمطار بلغ 10.49 ملم.
اليوم، الأرض متشققة والأشجار ذابلة، والسماء خالية من الغيوم، مما يعكس واقع الجفاف القاتل. البحث عن المياه أصبح كابوسًا يوميًا، حيث ارتفع سعر صهريج المياه بشكل جنوني، مما يثقل كاهل الأسر ويجعل المياه الصالحة للشرب رفاهية لا يستطيع الكثيرون تحملها. يعاني السكان من نقص حاد في المياه الجوفية، التي كانت في السابق متوفرة على عمق 120 مترًا، بينما يُتوقع أن تصل عمق الآبار إلى 1000 متر بحلول عام 2025.
هذه المشكلة تفاقمت بسبب السماح بالاستثمار الشخصي في مصانع نهب المياه وآبار ري القات دون رقابة، منها تحت مسمي جمعيات زراعية والشزب ضللت المجتمع تستخدم للقات ولاغراص لايستفيدمنها المجتمع .
مما افرزت كارثة نضوب مياه الغيول والابار السطحية والمياه الجوفية . وأثرة أثر سلبًا على مصادر المياه الأساسية التي كانت تغذي المنطقة، مثل غيل البراقة، وغيل الموردة، وغيل المكرادة، وعين مصري، والتي كانت تتدفق على مدار العام.
تؤثر الأشجار والرطوبة بشكل مباشر على المناخ المحلي ودورة المياه:
تأثيرات الأشجار على الرطوبة: تزيد الأشجار من الرطوبة الجوية عبر عملية النتح (إطلاق بخار الماء من أوراقها)، وتقلل من تبخر الماء من التربة بتوفير الظل، وتحسن جودة الهواء. ومع ذلك، تستهلك الأشجار كميات كبيرة من الماء من التربة، خاصة في فترات الجفاف، وقد تؤثر جذورها على تدفق المياه في التربة.
تأثيرات الرطوبة على الأمطار: الرطوبة العالية في الهواء تزيد من احتمالية هطول الأمطار وتعزز تشكل السحب، حيث يتكثف بخار الماء حول جزيئات صغيرة. لكن توزيع الأمطار وشدتها يتأثران بعوامل أخرى مثل التضاريس والأنظمة الجوية. يمكن أن تؤدي الرطوبة العالية إلى أمطار غزيرة تزيد من خطر الفيضانات.
العلاقة بين البخار والرطوبة ومصادر كل منهما: الرطوبة الجوية هي كمية بخار الماء الموجودة في الهواء، والبخار هو الحالة الغازية للماء الناتج عن التبخر. المصادر الرئيسية للبخار والرطوبة هي المحيطات والبحار والأنهار والبحيرات، بالإضافة إلى النتح النباتي. كما تساهم الأنشطة البشرية، مثل الري الزراعي وبعض الصناعات، في زيادة الرطوبة المحلية.
إن فهم هذه التفاعلات المعقدة بين الغطاء النباتي والمناخ ودورة المياه أمر بالغ الأهمية لوضع استراتيجيات فعالة لمواجهة التدهور البيئي في السياني وإعادة إحياء طبيعتها.
ما هي الخطوات الفعالة التي يمكن اتخاذها اليوم لوقف هذا التدهور البيئي في السياني وإعادة إحياء طبيعتها؟
بالنظر إلى التحديات البيئية المعقدة التي تواجه مديرية السياني، من الضروري اتخاذ مجموعة شاملة من الخطوات الفعالة والمستدامة لوقف التدهور وإعادة إحياء طبيعتها. يمكن تقسيم هذه الخطوات إلى محاور رئيسية:
أولاً: إدارة الموارد المائية:
وقف الحفر العشوائي للآبار وتنظيم استخدام المياه الجوفية:
فرض رقابة صارمة على حفر الآبار الجديدة، والسماح بها فقط بعد دراسات هيدرولوجية دقيقة لتحديد القدرة الاستيعابية للمخزون الجوفي.
تطبيق قوانين صارمة لمعاقبة المخالفين الذين يقومون بالحفر غير المرخص.
إنشاء هيئة محلية لإدارة المياه مسؤولة عن توزيع المياه ومراقبة الاستهلاك.
وضع نظام حصص للمياه للاستخدامات الزراعية والشرب، مع إعطاء الأولوية لمياه الشرب.
تطوير مصادر مياه بديلة ومستدامة:
حصاد مياه الأمطار: بناء سدود صغيرة، خزانات تجميع، ومنشآت لحصاد مياه الأمطار على مستوى الأسر والمجتمعات، خاصة مع التقلبات المناخية.
ترميم العيون والغيول: العمل على إعادة تأهيل وصيانة العيون والغيول الطبيعية التي جفت (مثل غيل البراقة، غيل الموردة، غيل المكرادة، عين مصري) من خلال إزالة الرواسب، وحماية مصادرها من التلوث والاستنزاف.
معالجة مياه الصرف الصحي والرمادية: استخدام تقنيات بسيطة لمعالجة المياه الرمادية (مياه الاستحمام والغسيل) وإعادة استخدامها في ري الحدائق والمحاصيل التي لا تستهلك مباشرة، أو معالجة مياه الصرف الصحي للاستخدامات الزراعية غير الغذائية.
ترشيد استهلاك المياه:
توعية مجتمعية: إطلاق حملات توعية مكثفة حول أهمية ترشيد استهلاك المياه، وأساليب الري الحديثة والموفرة للمياه (مثل الري بالتنقيط).
دعم المزارعين: توفير الدعم الفني والمالي للمزارعين لتبني تقنيات الري الحديثة وتقليل الاعتماد على الري الغمر.
تنظيم زراعة القات: وضع قيود على زراعة القات في المناطق التي تعاني من شح المياه، وتشجيع المزارعين على التحول إلى محاصيل أقل استهلاكاً للمياه وأكثر قيمة غذائية واقتصادية.
ثانياً: حماية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر:
وقف الاحتطاب الجائر والرعي الجائر:
تطبيق القوانين: تفعيل القوانين التي تجرم قطع الأشجار والرعي الجائر، وتشكيل لجان مجتمعية لمراقبة هذه الممارسات والإبلاغ عنها.
توفير بدائل للطاقة: دعم مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتوفير بدائل للمواطنين عن الحطب كمصدر للطاقة.
تنمية الثروة الحيوانية المستدامة: تشجيع تربية أنواع الماشية التي لا تضر بالغطاء النباتي، وتنظيم مواسم الرعي ومناطق الرعي لضمان تعافي المراعي.
توفير أعلاف بديلة: دعم مشاريع زراعة الأعلاف الحيوانية البديلة لتقليل الضغط على المراعي الطبيعية.
التشجير وإعادة تأهيل الغطاء النباتي:
حملات تشجير واسعة النطاق: زراعة أنواع الأشجار المحلية المتكيفة مع البيئة الجافة (مثل الأثبة، السمر، القرض) في المناطق المتدهورة والجبال، مع التركيز على الأشجار التي تساهم في تثبيت التربة وزيادة الرطوبة.
إنشاء مشاتل محلية: دعم إنشاء مشاتل لإنتاج الشتلات المحلية وتوفيرها بأسعار رمزية أو مجانية للمزارعين والأفراد.
حماية التنوع البيولوجي: إنشاء محميات طبيعية صغيرة لحماية الأنواع النباتية والحيوانية المتبقية.
إعادة تأهيل المدرجات الزراعية: صيانة المدرجات الزراعية المهملة وزراعتها بالمحاصيل التقليدية المقاومة للجفاف.
ثالثاً: إدارة المخلفات والتوعية البيئية:
إدارة المخلفات الصلبة:
جمع المخلفات والتخلص منها بطرق صحيحة: توفير صناديق قمامة في القرى وتحديد نقاط تجميع، وإنشاء نظام لجمع المخلفات ونقلها إلى مكبات صحية بعيداً عن مصادر المياه والمناطق الزراعية.
إعادة التدوير والحد من النفايات: تشجيع فرز النفايات من المصدر، وتوعية السكان بأهمية تقليل الاستهلاك وإعادة التدوير.
معالجة مخلفات القات: وضع حلول لمخلفات القات التي تلوث البيئة.
التوعية البيئية وبناء القدرات:
برامج توعية شاملة: إطلاق برامج توعية بيئية في المدارس والمساجد والتجمعات المحلية، تستهدف جميع الفئات العمرية، حول آثار التدهور البيئي وأهمية المحافظة على الموارد الطبيعية.
دور الإعلام: استخدام وسائل الإعلام المحلية (إذاعة، تلفزيون، منصات التواصل الاجتماعي) لنشر الوعي البيئي.
تدريب وتأهيل الكوادر المحلية: تدريب الشباب والنساء على الممارسات الزراعية المستدامة، إدارة المياه، وإدارة النفايات.
إشراك المجتمع: تشكيل لجان بيئية من السكان المحليين لإشراكهم في عمليات التخطيط والتنفيذ والمراقبة.
رابعاً: الدعم المؤسسي والسياسات:
تفعيل دور السلطات المحلية:
يتطلب الأمر إرادة سياسية قوية من السلطات المحلية لتفعيل القوانين البيئية، وتخصيص الموارد اللازمة لحماية البيئة.
التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية (الزراعة، المياه، البيئة، الحكم المحلي) لضمان تنفيذ الخطط بشكل متكامل.
البحث العلمي وتطبيق الحلول المبتكرة:
إجراء دراسات ميدانية مفصلة حول الوضع البيئي في السياني لتحديد الأولويات ووضع حلول مستندة إلى الأدلة.
الاستفادة من الخبرات والتجارب الناجحة في مناطق أخرى تواجه تحديات مماثلة.
الدعم الخارجي والشراكات:
البحث عن دعم من المنظمات الدولية والمانحين لتمويل المشاريع البيئية والمياه في السياني.
بناء شراكات مع المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ذات الخبرة في مجال البيئة والتنمية المستدامة.
إن إعادة إحياء طبيعة السياني تتطلب جهداً جماعياً ومستداماً، يجمع بين الوعي المجتمعي، الدعم المؤسسي، وتطبيق حلول علمية وعملية. هذه الخطوات ليست مجرد حلول لمشكلة بيئية، بل هي استثمار في مستقبل الأجيال القادمة وفي استدامة الحياة في هذه المديرية التاريخية. |