ريمان برس  - 
  
العنوان مقتبس من إرث المفكر العربي المصري جمال حمدان الذي قصد بهذه العبارة دور مصر الريادي وطنيا وقوميا وأفريقيا وأسيويا، وأن دور مصر لا يختزل في نطاق تخومها الجغرافي، بل يمتد تضاريس الأناضول إلى أقصى شواطيء المحيط الهندي، مصر حاضرة عربية بهويتها القومية وهي إيقونة الهوية، وهي حاضرة إسلامية بشهادة الألف مأذنة، وهي حلقة الوصل جغرافيا وحضاريا بين قارتي أسيا وأفريقيا، ناهيكم إنها قلب العروبة النابض،مميزات جيوسياسية تحضي بها مصر لكنها مرهونة بمدى فهم وإستيعاب وقدرة من يحكمها ويقف على رأس هرم السلطة فيها، كان عبد الناصر في الكلية الحربية أستاذ إستراتيجية التاريخ، استطاع خلال دراسته في الكلية قرأة اغلب مؤلفات المهتمين بالاستراتيجيات العسكرية والسياسية، وحين قامت الثورة التي كان هو أبرز قادتها وقلب الهجوم فيها، كان يريد الثورة التي كان يؤمن بها ثورة تحالف قوي الشعب العامل، نعم كان الي جانبه الكثير من الثوار مدنيين وعسكريين، لكن كان لكل منهم ثورته الخاصة التي يراها من منظار قناعته الفكرية والسياسية والايديلوجية، لكن ثورة ناصر كان يراها من منظار الوطن والشعب والأمة وشعوب العالم الثالث التواقة للحرية والانعتاق من شرنقة العبودية والهيمنة الاستعمارية، كان يؤمن بحق الإنسان بالحرية والكرامة ولكن ليس على حساب حرية وكرامة إنسان أخر.. 
كان يؤمن بأم مصر قادرة أن تنهض بمسؤليتها الوطنية والقومية وان تضلل بدورها على شعوب قارتيء اسيا وأفريقيا وأن تكون عاصمة للفعل الحر وطنيا وقوميا وأسويا َافريقيا وإنسانيا، لم يكن يرى مصر مجرد ترس في آلة النظام الدولي أيا كانت مغرياته وعوائده لمصر، لهذا كان أحد اقطاب " عدم الانحياز" والفاعل الرئيسي في "مؤتمر باندونج" رغم حاجته للاتحاد السوفييتي الذي أقام معه تحالف ندى ولم يقبل يوما التبعية له لا سياسيا ولا فكريا، بل كان هو صاحب مقولة "عدو عدوي صديقي".. رفض التحالفات الموجهة واسقط " حلف بغداد" واقطابه رغم المغريات الأمريكية التي قدمت له مقابل الأنظمام لهذا الحلف التأمري، وحين رفض العروضات الأمريكية _الغربية _المدعومة من الرجعية العربية، حاولت امريكا لي ذراع ناصر بالإيعاز للبنك الدولي برفض تمويل بناء السد العالي 200 مليون دولار وجاء الرفض بصورة إهانة لمصر بزعم أن اقتصادها لا يتحمل هذا القرض، حينها كان حلم ناصر أبعد بكثير من تقديرات أصدقائه وخصومه في الداخل والخارج، وكانت أحلامه لمصر وأمته العربية ولشعوب اسيا وأفريقيا تتجاوز أحلام " سيمون بوليفار" لأمريكا اللاتينية الجنوبية والوسطى، فيما كانت أحلام أنظمة المحيط العربي لا تتجاوز رغبة الحكام في البقاء على كراسيهم ورغبة الأحزاب العربية في تسويق نفسها وأفكارها وتقليد الأخرين..! 
لكل هذه العوامل كانت مصر عبد الناصر رافعة للهوية الإنسانية وصانعة الأحداث، لم توظف ماضيها لتعيش حاضرها، ولم تستورد مقومات الحاضر لتصنع مقومات تطورها..! 
كان قرار كسر احتكار السلاح قرارا شجاعا لا يتخذه إلا زعيما وقائدا وحامل لمشروع حضاري متكامل، وفيه وجه ناصر الصفعة الأولى للقوى الاستعمارية التي توهمت انها وصية على الأمة والمنطقة، وجاء بعد رفض ناصر الانخراط في " حلف نوري السعيد والأخوين دلاس" بل تعهد بإسقاطه وحدث هذا عام 1958م..! 
توجهات ناصر أوجدت القلق منه من قبل القوي الاستعمارية وقوي الرجعية العربية خاصة بعد أن حسم ناصر مسار الثورة خلال أزمة مارس 1954م التي لم تكن مجرد أزمة داخلية بين ثوار يوليو بل كانت أزمة لها امتدادات إقليمية ودولية ورغبة في حرف مسار الثورة التي يريدها ناصر الذي بدأت العيون تحدق نحوه بعد قرار الإصلاح الزراعي أي بعد اسابيع من قيام 23 يوليو 1952م. 
عام 1956م وبعد قرارات الإصلاح الزراعي، ورفض حلف بغداد والتصدي له وأهدافه التأمرية، وبعد حسم أزمة مارس عام 1954م، وإبرام اتفاقية الجلاء مع بريطانيا ومغادرتها مصر، وبعد قرار مصر دعم الثورة الجزائرية، وتبني دعم حركة التحرر العربية الأفريقية والاسيوية، ثم دوره في انعقاد "مؤتمر باندونج" إضافة لكل هذه المواقف موقفه والثورة من القضية العربية الأولى فلسطين والعدو المحتل، كل هذا أدى إلى رفض أمريكا تمويل السد العالي بذريعة ضعف الاقتصاد العربي المصري، كان قرار الزعيم " تأميم شركة قناة السويس" ولم تأميم القناة ردا على وقف تمويل السد، بل كان قرارا سياديا اتخذه ناصر وجزءا من أهداف الثورة والتغيير وتكريس ثقافة الحرية والكرامة والسيادة الوطنية..  
يتبع  |