ريمان برس -
لم تعد " المأسي" مجرد ظواهر عابرة، أو ظواهر إستثنائية تأتي بها الأقدار في لحظة غضب أو لحظات من " عقاب قدري" مرهون وجوده بفعل ممارسات خاطئة يقوم بها البعض من البشر في هذا النطاق الجغرافي أو ذاك، بل هناك مجتمعات سكنية" المأسي" بكل تراجيديتها بمثابة هوية ثقافية وسلوكية مكتسبة عصية على الزوال، لأنها " صناعة البعض" وهويتهم، تستوطن وجدانهم والذاكرة، وصناعة حرفية، يتفنون باتقانها، ويستحيل عليهم التخلي عنها مهما حدثت من تحولات اجتماعية حولهم، ومهما كانت هذه التحولات تقدمية، غير إنها تبقى عاجزة عن إحداث تحول في ثقافة هؤلاء البعض الذين أدمنوا " صناعة المأسي" بذريعة الحفاظ على التقاليد والتمسك بتراث الأجداد والأسلاف..!
واقعنا بكل ما يعتمل فيه من مظاهر التحولات، إلا إنه لايزل اسيراً لي" تراجيديا المآسي" المعبرة عن تراث متوارث يرى أصحابه، أن وجودهم الفاعل في المجتمع ومكانتهم بين مكوناته، فعل مرهون بتمسكهم بتراثهم "التراجيدي" وأن قدرهم يحتم عليهم التمسك بموروثاتهم الثقافية والسلوكية، وأن تبقى " سيادتهم" التقليدية في نطاقاتهم الاجتماعية مهيمنة، بغض النظر عن صورة الواقع الأجتماعي، سوي كان " مكسي" بظواهر الجهل والفقر والمرض وكل ظواهر التخلف الاجتماعي، أو كان " مكسي" بمظاهر" الأوستقراطية" المفرطة في التمسك بتقاليدها وطقوسها _ نموذجهما مارونية لبنان والقبيلة في اليمن _لأن " تراجيديا المأسي" عند أمثال هؤلاء، ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي صناعتهم اليومية التي يجيدون فن إتقانها والتمسك بها والحفاظ عليها مهمة " مقدسه في أدبياتهم" لأن بقائهم في صدارة الفعل والوعي الاجتماعيين مرهون بديمومة هذه المآسي داخل المجتمعات..!
والفرق بين " مارونية لبنان "و " القبيلة في اليمن" هي في تنفيذ إستراتيجية الفعل، وتبريره من خلال " فلسفة التعاسة" فالمارونية ترى " القوة في الضعف" و" القبيلة "ترى القوة في عصبيتها وثقافة "النكف"..!
وكما هي " القوانين" والدساتير" بحاجة إلى" لائحة تفسيرية "فأن تراجيديا المآسي" الاجتماعية، تم رفدها ب "فلسفة تفسيرية" تبرر " تعاسة" المجتمعات والشعوب التي تعاني من هيمنة " ترويكا صناع المآسي"..!
كثيرة هي المجتمعات والشعوب التي استطاعت التحرر من هيمنة هذه الترويكا، من خلال" الثورات" وحركات التحرر والتغيير الأجتماعيين، ونجحت الكثير من هذه المجتمعات والشعوب في تحقيق أهداف التغيير وأن بنسب متفاوتة، باستثناء واقعنا " اليمني" الذي اخفقت عن تغيره كل التحولات والأحداث الوطنية _ ولم يختلف حاله عن حال لبنان _ الذي كان يلقب بسويسرا الشرق، فيما اليمن لقبت بأرض السعيدة _..؟!
بل أن من تبنوا فكرة التحولات والتغيير، في " بلاد السعيدة" ذهبوا في الأخير ضحايا لرغبتهم هذه، وتمكن " صناع المأسي" من الصمود أمام عواصف التحولات والتغيير، وظلت ثقافتهم المكتسبة هي الحاضرة في صياغة المشهد الوطني، عصية على الإندثار، وربما يندثر الوطن، ولا تندثر هذه الثقافة، بدليل راهن الحال الذي يشكل المشهد الوطني وجغرافيته، وحتي قناعات أبنائه..!
لست ملزما بتقديم أدلة وبراهين على صحة ما ذهبت إليه من القول، لكن يكفيني ان استدل بظاهرتين أو حالتين هما _اليوم _ يشغلان اهتمام الرأي العام الوطني بكل طبقاته، وشرائحه، وانتماءته، وقناعته، وتوجهاته، والمتعلقتان بحادثتي "الشيخ الزايدي" و " المهندس هشام شرف" وكيف تعامل المجتمع والواقع معهما..!!
وتلكم هي ظاهرة تمثل ذروة "تراجيديا المآسة" و"فلسفة التعاسة" التي تجعل "القبيلة" حاضرة بقوة ونفوذ يتجاوزان قوة ونفوذ "الدولة" أو بالأصح "السلطات" التي تزعم إنها تمثل "الدولة"..؟!
لن أذهب بعيدا في تحليل" سيكولوجية " اللحظة الوطنية وتداعياتها، لكني قطعا _ سأفعل ذلك_ بعد إنتهاء هاتين الظاهرتين، وكيف سيكون حلهما وبأي طريقة، ووفق أي قانون؟!
وأين سيقف قانون "القبيلة" وقانون "السلطة "منهما..؟!
وأيهما سوف يتغلب وينتصر على الأخر.. ترقبوا
صنعاء فجر 14 يوليو 2025م |