ريمان برس -
تتوالى الآهات في النفس المكلومة وكأنها براكين.. تتفجر الحسرات وتنساب مشاعل القهر من أعماق الوجدان التائهة، سعار القهر يتراكم فيما العقل يضرب في مدارب الحياة بحثا عن ممكنات الكرامة والشعور بالأدمية والحق في المواطنة والأنتماء..
مثيرة هي الحياة حين تلقي بك على هامشها وتجبرك على منادمة ذلها وقهرها وقساوتها المرعبة..
وحيدا تجد نفسك محاصرا بالكثير من حراب الحاجة وسهام القهر، وفي معترك (الذل) تلقى بك الحاجة قهرا وقسرا وعنوة في واقع تجد فيه نفسك عاجزا عن مواجهة كل هذه الحراب التي تنهش قلبك الدامي بفعل غبائك أو قدرك أو ربما بسبب أفعال أخرى لا تراها انت وانت الحامل لجبال همك اليومي تصارع من أجل البقاء وأن (بلاء كرامة) التي اهدرتها الحاجة، وعزة نفس مصلوبة على مقصلة ( مهنة عبثية) عشقتها ذات يوم فأوصلتك إلى مسلخ الهم القاهر الذي أصبح يرافقك كضلك..مهنة امتهنتها حبا فقتلك حبها تجسيدا لمقولة ومن الحب ما قتل..؟!
مهنة لم تعطيك أكثر من إنها جعلتك وامثالك من عشاقها مجرد ( متسولين) تتساقطون بحسراتكم على ارصفة الحياة غير مأسوف عليكم.. مهنة في بلد لا تحترمها ولا تحترم من يمتهنها، بلد لا تعشق سوي اللصوص والقتلة والفاسدين وحملة المباخر..؟!
أن تجد نفسك تتنفس القهر فتلك هي المآسة التي تفقدك توازنك وتفرض عليك سلوكيات لم تكن يوما تتخيل أن تسلكها..!
قاسية هي الحياة.. نعم لكن قساوتها المرة حين تجد نفسك تجر خلفك (أسرة) لاذنب لها إلا أنك وجدتها وكونتها وأصبحت تلتف حولك ومعك تبحر على ( قارب) تتقاذفه أمواج الحياة لا انت ك( ربان) ولا هم يتوقعون أي موجة قادمة بغضبها قد تكتب النهاية للقارب ومن عليه..؟!
مؤلم أن تشعر بالعجز وأنت القوى، والأكثر إيلاما أن تجد نفسك منهمك في هموم لا حصرا لها، ترصدها تتابع تداعياتها بشغف فيما انت محملا بهمومك الذاتية وتقف عاجزا عن فك طلاسمها في واقع تلفظ أحداثه من هم أكبر منك وأكثر حضورا..!
أدين بالكثير لزملاء أعزاء واصدقاء كرما كانوا إلى جانبي وقدموا لي من العون والاسناد ما لم أجده من وطن انتمي إليه _مجازا _وطن اشغلنا بهمومه ومعاناته لكنه لم ينشغل يوما بي، هؤلاء _ الزملاء والأصدقاء _من ساسرد يوما مواقفهم النبيلة والأصيلة معي بالأسم أن طال بي العمر أو سيفعلها _أولادي _ من بعدي حتما، لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله.
لكن تبقى علاقتي بهذا الوطن هي مثار جدل يعتمل في النفس المكلومة، جدل لا يقوم على قاعدة الربح والخسارة، بل يأتي على قاعدة الهوية والأنتماء والحقوق والواجبات، غير أن اسوي ما في هذا الجدل هو إنك لا تجد الطرف الآخر اعتباريا الذي يمكنك أن توجه له اللؤم أو تعاتبه، لأنك تنتمي لوطن تسوده ( المشاعية ونزعات الأناء) وأطراف متعددة غارقة في مستنقع النرجسية القاتلة لم تتردد من سل حرابها لك ولامثالك ولخاصرة الوطن المذبوح من الوريد الي الوريد بخناجر الانتهازية، وطن لم تتبخر أحلام أبنائه بل تتبخر جغرافيته وليس هناك ما هو امر وأقسي من هذا المشهد الذي تتشكل باطيافه خارطة الوطن وعقول أبنائه الذين يشهرون حرابهم في وجوه بعضهم ويحتربون ويسفكون دماء الغلابة بحثا عن مصالحهم الخاصة وكأن الوطن (إرثا) مستحقا لهم ( ورثوه عن اسلافهم)..؟!
وطن تنتحر فيه المواطنة وحقوقها وهويتها وتنتصب فيه مقاصل ( الورثة) الحصريين مع ان ثمة قاعدة فقهية وشرعية تؤكد (أن لا وصية لوريث) وبما ان الوطن (إرث) مستحق لجميع مواطنيه، غير أن ثمة اشقاء جبابرة اعتبروه ملكية خاصة بهم وان بقية مواطنيه مجرد ( قصار) لا يعرفون مصالحهم وبالتالي يتقاذفهم المتصارعين وكل طرف يدعي احقيته بتمثيل هؤلاء (القصار)..؟!
مؤلم أن تجد نفسك تائها وعاجزا تتدثر القهر والحسرات في وطن ليس له وجود إلا في وسائل الإعلام وخطب القراصنة واللصوص، الذين ينعمون بخيرات الوطن فيما غالبية أبنائه يستجدون فرج الله وكأنهم ( حرافيش نجيب محفوظ)..؟!
صنعاء في 29 نوفمبر 2024م |