ريمان برس -
في كل حدث وطني تدوي أجراسه في تجاويف الذاكرة، نقرع طبول الترحيب ونتفنن في إصباغ هالة التقديس والترحيب المبالغ فيه لدرجة إننا نجهل فيها حتى طرق الأبتهاج المفترض أن نتعاطى بها مع احداثنا الوطنية التي لم يبقى منها سوي مجرد تواريخ تتشابه مع تواريخ ذكريات رحيل اقاربنا الذين نحيي ذكرى وفاتهم ونتذكر مناقبهم وهذا تماما ما نمارسه في ذكرى احداثنا، سبتمبر، وأكتوبر، ونوفمبر، و22مايو، وكما نحتفي أو بعضنا يحتفي بذكرى (5 نوفمبر) وآخرين يحتفون بذكرى (13 يونيو) أو بذكرى (23 يوليو) أو حتى بذكرى الثورة الاشتراكية الكبرى التي قادها الرفيق _فلاديمير اتش لينيين _ وتبقى الأحداث تجرجرنا بذكرياتها بما فيها احتفالنا بذكرى مولد النبي محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، الذي تفصلنا عن سنته ملايين السنوات الضوئية.. ذكريات نقف أمامها بعقول عابرة وكأنها إعجاز نخل خاوية..!
نعم لست ضد الاحتفالات واحياء الذكريات الخالدة التي صنعها ابطال عظام وهامات وطنية ورجال قدموا أرواحهم رخيصة من أجل أحداث آمنوا بها وصمموا على إنجازها والانتصار لها ليسقطوا في سبيلها شهداء مضحيين بأرواحهم التي استرخصوها من أجل أحداث آمنوا بها واعتبروها نافذة للانعتاق من براثن ما كان رغبة بما سيكون، فيما نحن لم نعمل أكثر من توظيف تلك الأحداث والأرتزاق منها وتوظيفها من قبل النخب النافذة للمتاجرة والاستغلال الذاتي الرخيص..!
30 نوفمبر 1967م واحدة من الأحداث العظيمة التي صنعها الابطال من أجل أهداف عظيمة لكنهم لم يكونوا يدركون أن هذا الحدث سيتخذ منه البعض ( مشجب) يعلقون عليه اطماعهم الانتهازية ونرجسيتهم القاتلة للحدث وأهدافه وتضحيات أبطاله..؟
ماذا بقي من 30 نوفمبر الذين طرد الابطال به من جزءا من الوطن مستعمر واحد ليجلبوا بعده أكثر من مستعمر..!
في 30 نوفمبر كان الحدث لكن أهدافه لم تتحقق بعد (الاستقلال).. فهل نحن اليوم والوطن مستقلين.؟!
نعم طردنا قوات الاحتلال لكنا لم نطرد المحتل، بل ظل الاحتلال قائما وحاضرا بعد أن استبدل قواته المباشرة بأخرى غير مباشرة من الوطن للأسف.. غادر المندوب السامي البريطاني الوحيد ولكنه ترك على أرض الوطن أكثر من مندوب ولكنهم غير ( ساميين) بل مجرد( حثالة مخبرين) يكتبون تقاريرهم اليومية والاسبوعية والشهرية والدورية والفصلية و السنوية ويبعثوها لسيدهم المندوب السامي في لندن الذي يتلقون منه أيضا الأوامر والتعليمات.. والمؤسف أن بريطانيا الاستعمارية التي كانت وحيدة تستعمر جزءا من الوطن وقد دحرنا قواتها واخرجناها من الوطن، لكن حلت محلها نصف دول الجمعية العامة للأمم المتحدة ورحنا نوزع ولائنا وتبعيتنا لتلك الروزنامة من الدول وتوزعنا ك(مخبرين) لها نقاتل بعضنا ونقتل بعضنا تارة باسم الحزب واخرى باسم القبيلة ولكل ايدلوجيات الأرض أنتمينا إلا الايديلوجية اليمنية لم ننتمي لها ولم نعترف بها حتى اليوم بدليل اننا نتقاتل وكل فريق ينتمي لدولة خارجية ومنها يتلقى الدعم والتعليمات..؟!
إذا لماذا نغالط أنفسنا ونسخر من احداثنا حين نزعم الاحتفاء بها ونحن ابعد ما نكون عنها وعن أهدافها وقيمها النبيلة وغايتها الوطنية التي في سبيلها ضحى ابطالها وصناعها..!
أن احتفالنا باحداثنا الوطنية أصبحت بمثابة احتفالنا بذكرى وفاة ( أبائنا وأمهاتنا) والاحباب المقربين منا الذين نحيي ذكرى وفاتهم بتلاوة الفاتحة أو بتعداد مناقبهم حين كانوا على قيد الحياة..؟!
أن كل احداثنا الوطنية لم يبقى منها سوي مجرد تواريخ عالقة بالذاكرة لا يعرفها شبابنا الذين يعيشون في عقدهم الثاني وربما الثالث..؟!
أن كل ذكرى وطنية أصبحت تتماهي عندي مع ذكرى وفاة( والدي ووالدتي) بل إن ذكرى( وفاة ابائي) تعد الأكثر حضورا في ذاكرتي وهذا ليس انتقاص من احداثنا الوطنية بل انتقاصا من هؤلاء الذين يتحدثون عنها باعتبارها الشماعة التي عليها يعلقون اهدافهم الانتهازية ومطامعهم الخاصة مثلهم مثل حال أولئك الذين يزعمون اليوم بأنهم (الشرعية) وهم عائيشين في عواصم العالم يقتاتون ارزاقهم باسم هذه (الشرعية) ويتسكعون من عاصمة الي أخرى ومن دولة الي أخرى ومن طاولة حوار الي أخرى وهم عاجزين عن حل ابسط مشكلة يعاني منها مواطن يمني، بل عجزوا عن حل أزمة الكهرباء في المناطق التي تحت سيطرتهم، وعقد من الزمن وهم يتحدثون عن الدولة التي لا إثر لها وشعار (عائدون يا صنعاء) وهم في فنادق دول العالم عاجزين يستجدون من يعيدهم الي الحكم والسلطة ويعيد لهم ما سلب منهم وما سبق أن سلبوه هم من غيرهم، ولست معنيا هنا ب (سلطة الامر الواقع) التي لم يعترف بها العالم لأنها حسب زعمهم (سلطة انقلابية) لكن ( مرتزقة الشرعية) يعترفون بهم العالم بأسره ومع ذلك عجزوا أن يقدموا دليلا واحدا يثبت _شرعيتهم _واخلاصهم لهذه _الشرعية _مقارنة بإخلاصهم للارتزاق هم واسرهم واقاربهم واصهارهم وانسابهم..؟!
رحم الله أبطال الثورة والتحولات الوطنية وابطال 30 نوفمبر.. ولا عزاء لمندوبين الاستعمار الجديد المتعدد القارات.
صنعاء فجر 30 نوفمبر 2024م |