ريمان برس -
كثيرة هي الظواهر السلبية التي تعنون مسارنا الحياتي على المستوى الوطني والقومي والإسلامي، غير أن اسواء هذه الظواهر هي ظاهرة التوظيف ( الديني والمذهبي) وإسقاطها على سلوكيات ومواقف البعض، هذه الظواهر التي استغلها أعداء الأمة وراحوا يعزفوا عليها ويسوقوها في أوساط النخب والفعاليات على الصعيدين الوطني والقومي، حتى تمكنوا من ترسيخها في اذهان البعض من الفعاليات الوطنية والقومية والإسلامية الذين بدورهم راحوا يتقاذفون بمثل هذه الظواهر السلبية ويصفون بها بعضهم، حتى صرنا نرى ونسمع هذه الظواهر وقد أصبحت تشكل جزءا من القناعات السياسة لدى هذه النخب، التي أسقطت الانتماءت ( المذهبية) على خلافاتها السياسية، وبالتالي عملت هذه النخب على تحميل الدين والمذاهب الإسلامية ما لا يحتمل من القول والتوصيفات والتهم التي تعكس في الواقع حالة إفلاس سياسي وفكري وثقافي لدى هذه النخب التي تؤغل في توظيف الدين والهوية المذهبية لتحقيق أهداف سياسية رخيصة تجسد فشل هذه النخب وعجزها عن تبني لغة المنطق وإخفاقها عن فصل الدين والثقافة الدينية عن معترك الخلاف السياسي، لأن التحري ض مذهبيا دليل فشل من يحرض عليه، وأن عجز الحجة لدى هذا الطرف أو ذاك تدفعه لتوظيف الدين والمذهب للوصول إلى أهدافه السياسية التي هي ارخص بكثير من تبعات زج الدين والمذهب لأجل تحقيقها..؟
لقد كانت البداية حين وظفت (الوهابية) الدين لاستهداف ( المشروع القومي الناصري) ثم أعتمد (الإخوان) هذه الطريقة في مواجهة خصومهم القومين واليساريين، وكأن نظام (السادات) ونظام ( آل سعود) من استأسدوا هذا التوظيف، ثم زادت وتيرته خلال الحرب الأفغانية، ليبلغ ذروته مع اندلاع الحرب العراقية _الإيرانية، التي تحولت خلالها إيران الثورة إلى (شيطان) بنظر أنظمة الخليج وبعض الأنظمة العربية الدائرة في فلك أمريكا والغرب، بعد أن كانت (إيران) الصديق والحليف المبجل خليجيا وعربيا حين كانت تحت حكم (الشاه) ( أحقر عميل صهيوني وامريكي)..؟ لم يكن (الشاه) من اهل السنة والجماعة ولكنه كان عميلا للصهاينة وامريكا مثله مثل بقية الأنظمة العربية العميلة..؟
مؤخرا زادت ( النغمة القذرة) التي تسوقها بعض النخب عن (الشيعة والسنة) وعن ( أحفاد معاوية ويزيد) و(أحفاد على والحسين) وما تحمل هذه النغمة من إسقاطات إنتقاصية هدفها الإيغال بترسيخ وتكريس ثقافة الحقد والكراهية في سبيل تحقيق أهداف سياسية وهذا سلوك يتنافي مع أبسط القيم والمبادئ والأخلاقيات السياسية المفترض أن تتحلى بقدر من شرف الخصومة التي تجعل المتلقي العربي والمسلم يتعامل مع أطراف هذه الخصومة بقدر من الاحترام والتقدير..؟!
والملاحظ انه ومنذ تفجرت معركة طوفان الأقصى في قطاع غزة تابعنا خطاب نخبوي حامل أوجه، فهوا يدين (المقاومة) ويعتبرها مغامرة تسببت بتدمير القطاع وقتل عشرات الآلاف من أبنائه، واخر يشير إلى ( مسؤلية إيران ويحملها مسؤلية الإتجار بالدم العربي الفلسطيني)..؟!
تطورات المعركة واخفاق العدو في تحقيق أهدافه المعلنة، أدى به إلى التوجه نحو لبنان جبهة الإسناد واغتيال قيادته وهذا قوبل بترحيب كبير من بعض النخب العربية ثم جاءت أحداث سوريا وسقوط النظام فرقص البعض طربا واعتبروا أن الحدث نهاية لما أسموه (النفوذ الشيعي)..؟!
ما حدث في سوريا بعد سقوط النظام وقيام إرهابيي جبهة النصرة وتحرير الشام وعصابة ( الجولاني) الذي تحول بقدرة قادر من إرهابي مطلوب دوليا الي رئيس لسوريا مرحب به من قبل جميع العرب والعالم..؟!
اقول قام إرهابيي الجولاني بارتكاب مجازر بحق أبناء سوريا من أبناء الطوائف غير (السنية) فخرج بعض مثقفي ونشطاء الطوائف المستهدفة تشهر بالمجازر وتنسبها لأهل (السنة) ولاحفاد (بني أمية) ثم يحتكرون بدورهم الوطنية ومقاومة العدو في أحفاد (الإمام علي والحسين)، هذا الإسقاط المذهبي في الصراع لا يعكس وعيا ولا يعبر عن حقيقة بل توظيف سياسي استهلاكي القصد منه دغدغة عواطف الاتباع وشحذ هممهم للالتفاف حول رموزهم من هذا الطرف أو ذاك وسلوك كهذا يسيء للدين والمذاهب الغاية منه تحقيق أهداف سياسية لا ترتقي شرفا مع الخصومة السياسية مهما كانت حدتها..!
أن الجولاني وكل من على شاكلته لا يمثلوا اهل السنة والجماعة وجميعهم ليسوا حجة على الإسلام ولا على أهل السنة، كما أن معادة الصهاينة والاستعمار ليست حكرا على اتباع الإمام علي ولا على اتباع الحسين رضوان الله عليهم.. نعم نعيش وتعيش الأمة حالة صراع حضاري ووجودي مع الصهيونية والاستعمار ومع قوي الرجعية العربية الحليفة لهم، وهناك نخب وتيارات تصارع في هذا المعترك تنتمي لكل الاطياف ولكل التيارات والمذاهب والاديان فهناك مسلمين (شيعة، وسنة، وعلويين، ودروز، ومسيحيبن، كاثوليك وبروتستانت ) يخوضون معاركهم ضد الصهاينة والامريكان وقوي الرجعية العربية، وهناك حتى ( شيوعيين) قاتلوا العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية والاستعمار.. فالمسألة في الاخير قناعات سياسية ومبادئ تحكمنا وتتحكم بمواقفنا وبالتالي ما يفترض هو أن لا نزج بالأديان والمذاهب في صراعنا لان هذا السلوك لايخدم قضايانا النضالية العادلة.. بل يخدم بدرجة اساسية عدونا الذي يسوق مثل هذه المفاهيم ويوظفها لخدمة أهدافه العدوانية ضد أمتنا وحقوقها ووجودها الحضاري. |