ريمان برس -
كل شيء إستثنائي في رمضان هذا العام، سوي تعلق الأمر بالحالات الفردية أو الجماعية، وسوي كان على صعيد الوطن الصغير أو على مستوى الوطن الكبير، كل شيء إستثنائي وكل شيء لا يشبه واقعنا ولا قيمنا ولا ثقافتنا ولا معتقداتنا.. كل شيء مختلف وكل شيء يناقض كل القيم والمعتقدات.. حتى الناس لم تعد علاقتهم ببعضهم طبيعية، ثمة اشياء دخيلة على مسارنا الحياتي، مختلف قديم يتجدد لكنه في رمضان هذا العام تغلف بتداعيات جد قاسية ومثيرة وغير مسبوقة، تداعيات تؤحي وكأن الناس قد تجاوزوا دائرة المنطق والعقل إلى اللا منطق واللا وعي واللا عقل حتى على الصعيد الدرامي تتحفنا الفضائيات العربية بدراما مثيرة وملفته حتى القرف..؟!
فضائيات تسوق لكل الاحقاد وتنبش كل القضايا الخلافية التي طمرها التاريخ وتعيد إنتاجها وساسة يستعينون بالماضي لينتصروا على الحاضر بحثا عن ذاتهم وتحقيقا لرغباتهم..!
تعكس الدراما العربية واقعا مأزوما، الجديد فيه إننا أمام دراما لا تعالج ظواهر ولا تتبني قضايا اجتماعية ولا تنشغل في البحث عن علاج لمنظومة الأزمات، بل تعيد إنتاج الأزمات وتعيد تسويق كل ما هو سلبي وكارثي في تاريخنا وثقافتنا..!
أبطال الدراما وترويكا المسار الدرامي بدورهم يبحثون عن ( المغانم) ويتهربون عن ( المغارم) لم يناقشوا قضايا اجتماعية ولم يساهموا في حل أيا من الظواهر السلبية بل يؤغلون في نبش كل ما هو سلبي وإعادة إنتاجه وتسويقه وإعادة تذكير الناس بقضايا حساسة تمس كينونتهم بعد أن كان الزمن والتحولات قد تجاوزوها..!
دراما وسلوكيات ومواقف وخطاب نخبوي فكري وادبي وفني، كل أبطاله يخوضون في معترك هلامي غايته صب الزيت على النار وتعزيز كل ظواهر الانهيار السلوكي والوجودي الذي تعيشه الأمة، مع ان المعروف ان الفن رسالة والفكر رسالة وغايتهما تقديم حلول لكل الظواهر التي تعيشها الأمة وطنيا وقوميا، خاصة وقد عرفنا وشاهدنا دور هذه النخب قديما وكيف كانت تسخر رسالتها في سبيل تعزيز وحدة الوطن والأمة وكيف تعزز قيم الهوية والانتماء للعقيدة والقيم التي عرفت بها الأمة..؟!
واقعنا اليوم مؤلم سياسيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا وفنيا، وتأتي المخرجات الدرامية لتعزز من هذا الألم وترسخه بل وتزيد من إنتاج ظواهره ومن لم يجد ظاهرة سلبية في الحاضر يوظفها راح يبحث عن سلبيات وأزمات الماضي ليعزف عليها ويعيد إنتاجها بطريقة مقززة تزيد من توسيع الفجوة القائمة في الأوساط الاجتماعية وكأن (الشيطان) شخصيا يقف منتجا ومخرجا لهذه الأعمال وليس بشر امثالنا ينتمون لهذه الأمة..!
المؤسف أن من حاول من أبطال الدراما العربية تجنب الظواهر السلبية وهو مشكورا لكنه وبدلا من أن يتكرم ويقدم شيء إيجابي يساعد في إيقاض العقول الغافلة راح يقدم دراما استهلاكية يخاطب بها غرائز البسطاء ويزيد من مراكمة الحسرات في قلوب الغالبية العظمى، وفضائيات تسوق منتجات الشركات في ظل عجز 95٪من أبناء الأمة عن الوصول لهذه المنتجات الترفيه..؟!
لقد بلغت الأمة مرحلة من انهيار وجودي وحضاري غير مسبوق، انهيار لم تعيشه حتى في أسوأ العصور المظلمة التي شهدتها الأمة عبر تاريخها..! |