ريمان برس ـ متابعات - تناقلت الوكالات العالمية خبر انضمام قطر إلى رأس مال بنك دويتشه، بعد ضخّ استثمار ضخم فيها، في أكبر عملية ترفيع لرأس مالها بقيمة 1.75 مليار يورو(2.45 مليار دولار). لكن الحقيقة هي أنه لا علاقة لقطر بهذه الصفقة بل المستثمر الحقيقي والجهة الرسمية التي دخلت الصفقة هو رئيس الوزراء القطري ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم.
من 20 مليون دولار في منتصف الثمانينات ارتفعت عمولات رئيس الحكومة القطرية السابق إلى مئات الملايين مقابل إغراء الشركات الدولية بمشاريع مجزية في الدوحة وتشكل الصفقة الضخمة عودة لـ "أتش بي جي" كما يعرف في الأوساط المالية والدبلوماسية إلى شاشات رادارات الصفقات والأعمال بعد فترة "اعتكاف" طويلة نسبياً.
استباق
وكأن "اتش بي جي" الذي عاد إلى هوايته الأولى تكديس المال والمكاسب بصفقتين مدويتين تمثلتا في الاستحواذ على هيرتينغ أويل النفطية وصفقة دويتشه بنك، أراد أن يستبق التركيز المتوقع عليه مجدداً فأدلى بحديث صحافي لقناة بلومبرغ، خصص ثلاثة أرباعه للحديث عن نزاهته وعن ثروته ومصدرها وشرعية استثماراته وصفقاته التجارية قبل وبعد انضمامه للحكومة القطرية، وكيف أنه تخلّى عن أعماله 10 سنوات كاملة درءاً للشائعات والشبهات".
ورغم كلّ ذلك، أثارت تصريحات الشيخ حمد بن جاسم في مختلف الدوائر والكواليس التي خبرته جيداً نوبات من الضحك الهستيري، بسبب ماضيه القديم ووجود ملفات وشهادات كثيرة، عن ممارسات "التمساح" أو "الغول الذي لا يشبع" كما وصفه مؤلفا كتاب: "قطر أسرار صندوق الأمانات" كريستيان شاينو وجورج مالبرونو.
عمولات ورشاوى
وفي هذا السياق، قالت فاينانشال تايمز اليوم الأربعاء تعليقاً على الصفقتين وعلى الحديث الذي أدلى به أخيراً لبلومبرغ: "كان الشيخ حمد الشخص الذي يتحتم على المصرفيين والمسؤولين الذين يسعون إلى عقد صفقات استثمارية مع صندوق الثروة السيادية لقطر، وبصفته الرجل الأغنى في واحدة من أغنى دول العالم، كان الشيخ حمد كثيراً ما يشارك في الاستثمار شخصياً في تلك الصفقات".
وبمعنى آخر، تقول الصحيفة نقلاً عن مصرفي قطري كبير: "كان دائما يبرم هذه الصفقات في الماضي لحسابه الشخصي ولحساب الحكومة، أما اليوم فهو يُركز أكثر على استثماراته الخاصة".
إن هذا الوصف الذي يتسبب في الغرب في العادة في اتهام أي مسؤول كبيرا بالفساد والإثراء غير المشروع، قد لا يبدو في بعض الدول وتحديداً في الشرق الأوسط كذل،ك مثلما قال الشيخ حمد بن جاسم نفسه في مقابلته مع بلومبرغ، معتبراً المسألة ثقافية ومتصلة بعقلية الشعوب، قائلاً: "كأي قطري آخر فإن مصادر ثروتي شرعية بالمقاييس القطرية ولكن بعضها قد لايكون شرعياً بالمقاييس الأمريكية المتعارف عليها".
ولكن الشيخ حمد بن جاسم لا يدفع في اتجاه شرح ما يسميه شرعياً أو غير شرعي، مكتفياً بالتأكيد على أن ثروة والده الراحل هي مدخله الأول، أي الشرعي إلى عالم الثراء، ولكن الوقائع تثبت العكس تماماً.
من السجل العقاري إلى مالك عقارات
يقدم "اتش بي جي" على أنه وريث والده صاحب الأملاك العقارية الضخمة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى كثير من المراجعة والتدقيق بما أن والده كان يملك بعض الأراضي في قطر، التي لم تعرف انطلاقة قوية اقتصادية مماثلة للذي تعرفه في السنوات الأخيرة، ولم تعرف قطر التي لم تكن تتوفر حتى ما بعد سنة 2000 على مقومات السوق العقارية النشيطة التي تفسرتضخم ثروة الرجل.
في الواقع، تعود بداية "اتش بي جي" مع العقارات إلى بداية الثمانينات، عندما بدأت قطر في التشكل فعلاً بطريقة بطيئة، ولم يكن حمد بن جاسم في ذلك الوقت صاحب ثروة عقارية بل كان مسؤولا عن السجل العقاري القطري، وهو المنصب الذي سمح له بوضع يده على عدد كبير من الأراضي العقارية بطرق مختلفة وفق تقارير عديدة أهمها الكتاب الشهيرالمشار إليه سالفا"أسرار صندوق الأمانات".
صناديق رسمية ومنافع شخصية
ولأن "التمساح" بحسب وصف الصحيفة، لم يكن يكتفي أبداً، تعمد مع وصوله إلى وزارة الخارجية في بلاده في زمن الأمير الأسبق الشيخ خليفة الذي انقلب عليه ابنه حمد بمعية صنوه حمد بن جاسم في 1995، فإنه وظف كل ّ قدراته وطاقته المشهود له بها من أجل الحصول على المال بمختلف الطرق، بالإشراف على صناديق ومؤسسات الدولة المعنية بالاستثمار والقادرة على صناعة الثروة مثل هيئة الاستثمار القطرية التي أشرف عليها سنوات طويلة قبل أن يقلم ولي العهد والأمير الحالي أنياب التمساح تدريجياً، ذلك أنه في الوقت الذي كانت الهيئة تباشر مشاريع وبرامج استثمار كان حمد بن جاسم يفرض نفسه على مائدة المستثمرين بواسطة أدواته الاستثمارية العديدة مثل بريستيج كابيتل أو شالنج للاستثمارأو أخيراً كتارا للاستثمارات العقارية التي أنشئت منذ سنوات قليلة برئاسة ابنه البكر جاسم، لتشرف على أصول وأموال حكومية أو مملوكة للعائلة المالكة.
ولكن طريق الشيخ حمد بن جاسم نحو الثروة، لم تكن سالكة أو سهلة وعبر قنوات رسمية مثل شركات الاستثمار التي تفاوض المستثمرين أو الشركات الأجنبية على حصص فيها مثلاً في مقابل عمولات وامتيازات لا تذهب للهيئات الرسمية التي كان يترأسها على شكل أسهم وحصص مجانية أو سندات قابلة للتحويل إلى أسهم في الشركات التي استثمرت فيها الصناديق الرسمية القطرية.
20 مليون دولار باسم مصاريف الأمير
وفي هذا السياق، طبقت شهرة "اتش بي جي" الآفاق، فهو الرجل الذي يمهد الطريق إلى الثروة في قطر في مقابل عمولة أو بمصطلح قانوني أكثر دقة بالمقاييس الأمريكية التي تحدث عنها مع بلومبرغ، "رشوة" ضخمة، وفي هذا الإطار توجد عشرات الحوادث والروايات عن ممارسات "اتش بي جي" منذ أن كان وزير خارجية في حكومة الأمير الأسبق الشيخ خليفة، ومن المواقف التي اشتهرت في هذا الخصوص مثلاً، طلبه من الشيخ خليفة الذي لم يكن مستعداً لمناقشة مطولة مع وفد من رجال الأعمال الفرنسيين تحتم عليه مقابلتهم في قصره، أن يكلفه بمناقشة الملف الاستثماري المقرر بمناسبة زيارتهم، وبعد المجاملات والمصافحات غادر الشيخ خليفة القاعة واستجاب وهو يهم بمغادرة القاعة لطلب وزيره فقال لرجال الأعمال الفرنسيين: "إن حمد رجلنا المكلف بمناقشة المسائل المالية معكم، فتحدثوا إليه" وسارع حمد بن جاسم إلى مرافقة الشيخ خارج القاعة متظاهراً بالهمس في أذنه، وبعودته إلى ضيوف الأمير لم يتردد عن القول: "إن الأمير موافق على النظر في مشاريعكم ودعمها، ولكنه يأمل قبل ذلك أن تغطواً مصاريفه الخاصة بـ20 مليون دولار".
كان ذلك في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وبمرور الزمن تطورت المبالغ والعمولات فوصلت إلى 400 مليون دولار مثلاً، بعد إتمام صفقة شراء صندوق الثروة السيادية القطري لمحلات هارودز الشهيرة في لندن من محمد الفايد.
جسر بين قطر والبحرين
وعندما لاتكون الطلبات مباشرة، أو على شكل عمولات فإنها تكون بطريقة أكثر احترافية ومهارة، مثل السيطرة على بعض الحصص في شركات أجنبية ثم جلبها إلى قطر بدعوى تمكينها من المشاريع الضخمة التي باشرت بها، مثل مشاريع البنية التحتية الكبيرة التي أقرتها الدوحة في إطار استعداداتها لبطولة كأس العالم 2022، في مقابل الحصول على ترسية مباشرة لمشاريع كبرى، يحصل"اتش بي جي" على عمولة ضخمة، مثل شركة المقاولات الفرنسية العملاقة "فينسي" التي سارعت بفتح شركة مشتركة في قطر الاشتراك مع شركات مملوكة لحمد بن جاسم، على أمل الفوز بعقد جسر القرن الرابط بين قطر والبحرين، في مقابل 200 مليون دولار حصل عليها اتش بي جي مقدماً، منذ طرح فكرة المشروع قبل عشر سنوات.
أسرار
ولا يتسع المجال لتفصيل مسيرة الرجل الذي يقدم في حواره مع بلومبرغ الأخير، على أنه "رجل بسيط، وغير فاحش الثراء" بعد أن باع للحكومة القطرية قبل شهر50% من الخطوط الجوية القطرية التي كان يملكها منذ تأسيسها" والتي يقول عنها بعض المتابعين إنها الصفقة التي تعني ربما خروج الشيخ حمد بن جاسم من عباءة وحماية الأمير الوالد المتخلي"نظرياً" عن الحكم، وبداية تحييده وقصقصة جناحيه تدريجياً خوفاً من ردة فعله والضرر الذي يمكن أن يسببه للفريق الحاكم في الدوحة اليوم خاصة بسبب سيطرته ومعرفته بمصادر ومسالك توزيع وتصريف ثروة الأمير السابق الشخصية وإشرافه على إخفاء الموازانات والمعاملات الحقيقية للصناديق السيادية من جهة أولى والحسابات السرية في جزر جيرزي البريطانية وأخيراً التصرف في ما لايقل عن 50 مليار دولار سنوياً طيلة إشرافه على الحكومة والخارجية والصناديق الاستثمارية التي غذت الاستثمارات القطرية في الخارج من إيرادات الغاز التي لا تدخل في بنود الموازنة الحكومية أبداً، وخاصة صفقات التسليح والعقود الضخمة التي أشرف عليها أو دفع إلى التوقيع عليها لصالح قطر ولصالح جهات أخرى دولية كثيرة.
|