ريمان برس - خاص - على الرغم من مرور عشر سنوات كاملة على جريمة غزو واحتلال العراق وما ارتبط به من جرائم.. وعلى الرغم من كل جرائم الحرب والاباددة الموثقة التي ارتكبها الاحتلال وعملاؤه في العراق واصبحت معروفة تفاصيلها.. على الرغم من كل هذا، فان الابعاد الكاملة لجرائم الحر ب والابادة التي ارتكبت في العراق لم تتضح بعد. بل من الواضح ان الجرائم التي لم تتكشف بعد، هي اشنع وافظع من كل ما عرف حتى الآن.
يكفي فقط ان نتوقف قليلا عند الجريمة، او بالاحرى سلسلة الجرائم، التي تم الكشف عنها قبل ايام.
نعني تلك الجرائم التي كشف عنها التحقيق الذي اجرته صحيفة " جارديان : البريطانية وبي بي سي العربية، عن وجه واحد فقط من وجوه ما شهده العراق. مع العلم ان هذا التحقيق استغرق 15 شهرا كاملة.
التحقيق كشف التالي:
1 – ان وزارة الدفاع الأمريكية ارسلت الى العراق قائدا عسكريا مخضرما متخصصا في " الحروب القذرة" وله سوابق معروفة في هذا التخصص، هو الكولونيل جيمس ستيل، وكانت مهمته تتمثل في انشاء وحدات طائفية من قوات الشرطة والميليشيات الشيعية في العراق، وذلك لمواجهة المسلحين السنة الذين يقودون عمليات المقاومة.
وهذه الوحدات التي اشرف على انشائها ضمت في صفوفها ميليشيات شيعية مسلحة مثل فيلق بدر.
وعاون الكولونيل ستيل في هذه " المهمة القذرة" كولونيل آخر هو جيمس هوفمان.
2 – هذه الوحدات الطائفية التي تم انشاؤها تحت اشراف وبقيادة قادة الاحتلال الامريكي، اقامت مراكز اعتقال وتعذيب سرية مورست فيها اشنع صنوف التعذيب.
التحقيق وثق وسائل التعذيب البشعة واورد شهادات مسئولين عسكريين عراقيين عملوا في مراكز التعذيب هذه، وشهادات لصحفيين زاروها وشاهدوا ما كان يجر يفيها.
ويورد مثلا شهادة الجنرال العراقي منتظر السامري الذي عمل مع ستيل وهوفمان، وقوله ان كل وابشع انواع التعذيب كانت تمارس بمعرفة واشراف القادة الامريكيين " مثل استخدام الكهرباء او تعليق المعتقل من الساقين او قلع اظافره او ضربه على المناطق الحساسة من جسمه". ويقول :" اذكر صبيا في الرابعة عشرة من عمره كان مربوطا بأحد اعمدة المكتبة وكان مقيدا وساقاه فوق راسه. كان مقيدا وجسمه كله ازرق من تاثيرالاسلاك التي ضرب بها".
3 – يذكر التحقيق ان هؤلا ءالقادة العسكريين الامريكين المجرمين الذين انشأوا هذه الوحدات واقاموا مراكز التعذيب السرية هذه، كانوا مسئولين مباشرة امام الجنرال ديفيد بترايوس قائد قوات الاحتلال الامركي في العراق.
أي ان كل هذه الجرائم كانت ترتكب بتخطيط وعلم اكبر القيادات العسكرية الامريكية، والقيادات السياسية طبعا.
4 – وتعلق صحيفة "جارديان" على هذه الجرائم قائلة : "واسفر تمويل وتسليح هذه القوات الخاصة عن اطلاق ميليشيات طائفية قاتلة ارهبت اهل السنة، وساعدت في اشعال حرب اهلية اوقعت عشرات الآلاف من القتلى.. وفي ذروة هذا الصراع الطائفي كانت ثلاثة آلاف جثة تفرش شوارع العراق كل شهر".
كما نرى، هذا التحقيق كشف ليس عن جريمة واحدة، ولكن عن سلسلة من الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الامريكي وقادته في العراق، والقوى الطائفية التي تحالفت معه. وهي كلها جرائم حرب بالتعريف القانوني الدولي لجرائم الحرب... جرائم تشكيل عصابات اجرامية طائفية.. وقتل.. وتعذيب.. وتطهير عرقي طائفي.. الخ
وكما نرى، فان هذه الجرائم وثقها التحقيق بالوقائع، وبالشهادات، وباسماء المجرمين الذين ارتكبوها.
وكما ذكرت في البداية، هذه الجرائم التي كشف عنها التحقيق يتم الكشف عنها لأول مرة بهذا التفصيل رغم مرور عشر سنوات على الغزو والاحتلال.
بالطبع، هذه الجرائم التي كشف عنها التحقيق ليست الا نقطة في بحر من جرائم الحرب والابادة التي ارتكبها الاحتلال واتباعه في العراق على امتداد السنوات العشر الماضية. وعشرات التقارير الدولية والوثائق والوقائع التي تابعها العالم كله اساسا، كلها وثقت هذه الجرائم.
ورغم كل هذا، لم يتم تقديم أي مجرم من هؤلاء المجرمين الى أي محاكمة من أي نوع.. كل مجرمي الحرب والابادة في العراق طلقاء.
هذه الحقيقة هي في حد ذاتها جريمة في حق الشعب العراقي و العراق وفي حق البشرية كلها.
للحديث بقية باذن الله |