ريمان برس -
يبدو أن اقدارنا تزداد قساوة كلما تقدم بنا العمر وتوالت السنوات مسرعة حاملة معها كل صنوف القهر والإجداب والتصحر المتعدد المناحي الحياتية، تصحر بلغ بناء درجة من العجز يستحيل التعايش معه، في ظل تعقيدات حياتية قاهرة، تعقيدات تتراكم مع كل طلعة شمس ترسل اشعتها حاملة في اطيافها كل مفردات الذل والحسرة والقهر اليومي الذي تؤغل حرابه في كل مسامات الجسد، وليس هناك أسوي ولا أبشع من حراب الحاجة التي تنهش الجسد المثخن بتداعيات الزمن وتقلباته..!
يقال أن ( اللوكيميا) التي تنمو في كريات الدم هي الأخطر التي قد تصيب الإنسان في عصرنا، وهو قول مردود على قائليه، لأن هناك في حياتنا ما هو أخطر من كل أمراض الكون، مرض إذا أصيب به المر تتحول حياته الي جحيم إنه مرض (الهم) الذي يفقد من يصاب به يعزف عن كل مظاهر الحياة، بل تفقد الحياة مع (الهم) بريقها وكل ملذاتها التي خلقها الله سبحانه وتعالى لتكون في خدمة عباده..
قد يقول قائل أن التؤكل على الله سمة من سمات الإنسان المؤمن وهو قول صادق، لكنه لم يعد مجديا في واقع مادي كواقعنا الذي أصبحت الحياة فيه تخضع للمادة التي تحتل مرتبة متقدمة عن (الدين والقيم الروحية) وعن كل القيم الإنسانية والاخلاقية، هنا حيث يجد البعض أنفسهم يواجهون اعاصير الحياة ومتطلباتها عزلا ومجردين من كل ممكنات المقاومة، تائهين في صحراء تخيم عليها عواصف رملية تفقد التائهين كل سبل النجاة..؟!
وطن لم يعد الملاذ الآمن، وحياة مسكونة بكل مظاهر البؤس والقهر، وهم يستوطن حامليه الذين فقدوا القدرة على التفكير، وفقدو الأمل، يستنجدون برحمة من الله ترحمهم من إذلال عباده الذين انتزعت من قلوبهم كل المشاعر والقيم باستثناء القيم المادية التي بها تقاس مكانة الفرد في المجتمع..؟!
لقد ضاقت بناء سبل الحياة والعيش حتى أصبح الرحيل من هذه الدنيا حلم وأمل نرجوا الله أن يعجل بهما لكل من ضاقت به سبل العيش في وطن لم يعد فيه مكانا لكل من غدر به الزمن من أمثالي وما أكثرهم..؟!
نعم حين يصبح صاحب المنزل الذي تسكنه كابوسا يقلق سكينتك ويهدد أمنك وأمن أسرتك، حتى وأن تحمل ضروفك القاسية لكن لهذا التحمل حدود وسقف، بل بالعكس تحمله هذا يضاعف من همك اليومي ومن قلقلك المستمر، خاصة وانت تدرك أن كل الأبواب مغلقة أمامك، ويزداد الأمر سوءا وكارثة إذا ما ابتلاك الله بمرض تعرض له أحد افراد أسرتك، وثمة متطلبات أخرى حياتية ومعيشية في وطن كل شيء فيه بمقابل، بدءا من( شهادة الميلاد) التي تستخرج بمقابل، وحتي( شهادة الوفاة) وبينهما حياة طويلة ترتبط إرتباط وثيق بقدراتك المادية من المعيشة اليومية ودراسة الأولاد ومتطلباتهم، في ظل واقع متداعي وعلى مختلف الجوانب الحياتية..!
واقع تنعش جسدك فيه ( حراب الهم) و(خناجر القهر) وليس فيه بصيص من أمل يمكن الرهان عليه، وكل ما فيه يتماهي مع ( نكتة طريفة) تقول أن أحد الرعية قرر شراء ( جمل( وأن يصبح ( جمال) وهو لا علاقة له بهذه المهنة، ومع ذلك اقتني له ( جمل ( وأعتلي ظهره ذات يوم وكان ( الجمل هائج) فاخذ يسرع بلا هوادة والرجل متمسك على ظهره لا يقوي على لجمه أو التحكم به وكلما سأله الناس الي أين؟ رد عليهم بقوله: إلى حيث يريد ( الله والجمل) وهذا حالنا اليوم الذي أصبحنا عليه للأسف..؟ |