ريمان برس - متابعات - أثارت قضية تعرض وزير الثقافة اليمني الدكتور عبد الله عوبل، إلى اعتداء من قبل مجاميع قبلية مسلحة اقتحمت قاعة المركز الثقافي بالعاصمة صنعاء، أثناء عرض مسرحي مثير للجدل يحمل عنوان" الدودحية" سخط الوسط الثقافي اليمني . كما عمل هذا الحادث- الذي أضطر وزير الثقافة وحشد من المثقفين والدبلوماسيين إلى مغادرة المكان من الباب الخلفي لصالة العرض المسرحي- إلى اعادة الجدل من جديد في اليمن حول هذه الحكاية الشعبية . حيث أكد أدباء ومثقفون للوكالة، على أن "الدودحية" عبارة عن أغنية شعبية مستوحاة من قصة لفتاة يمنية يرجع تأريخها إلى ثلاثينات القرن الماضي وتعكس جانباً هاماً من الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية في تلك الحقبة، كما تقدم بشكل واضح طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع القبلي اليمني والمؤطرة بالعديد من المحاذير والخطوط الحمراء والتي يؤدي تجاوزها إلى دفع ثمن باهظ تتحمل المرأة أو الفتاة الجزء الأكبر منه، إن لم يكن الثمن كله كما في حالة الفتاة "الدودحية" نسبة إلى إسم عائلتها، التي جمعتها علاقة حب مع إبن عمها وحالت الظروف دون تحقيق حلمهما بالزواج، ما انكشف سر هذه العلاقة، وهو ما أدى إلى انتشار الخبر في أنحاء اليمن بعد أن كانت محصورة في بضعة قرى. وعلى الرغم من المسؤولية المشتركة في الذنب وتطبيق العقوبة على الطرفين ـ الدودحية وابن عمها ـ إلا أن الخطأ والذنب ظل مرتبط بشكل كامل بالأنثى ( الدودحية ).
البردوني:" الدودحية" أشبه بخمريات أبي نواس !
ويرى الشاعر والأديب اليمني عبدالله البردوني، في كتابه فنون الأدب الشعبي، أن حكاية "الدودحية" مثلت أرحب متنفس غنائي، لا لذات الحادث وإنما لعقم الفترة من الأحداث الهزازة، فقبل حادث "الدودحية" بدأت الإشارات إلى الكبار بالتهكم الغامض في الأغنية السيارة والتندر والتسلي بحوادث الفضائح وبالأخص المرتبطة بالمسؤولين وأعوانهم.
بدأت الأغنيات تتمحور "الدودحية" وحدها كبطلة قصة مثيرة كما هو في كلمات هذه الأغنية:
يا دودحية ويا غُصن القنا(1) قد دردحوا بش على وادي بنا
أمان يا نازل الوادي أمان
يا دودحية جَبَالش خَزِّني(2) القات مِعْلي ومحبوبش غني
دُنِّي من الكوز سُكَرْ واركني أمــان يانازل الوادي أمـــان
وتنتقل الأغنية من التهكم إلى التنديد حين تقول:
بالله اشهدوا لي على ابن الدودحي
لا زوَّج اخته ولا هي تستحي
أمــان يا نازل الــوادي أمان
إلى أن تصل إلى التلميح بالمأساة، فتخاطب الفتاة:
يا دودحية توصي لا عدن يدوا لبوش عطر ويدوا لش كفن
أمان يا نازل الوادي أمان
ثم امتدت الأغنيات لتشمل "دودحيات" في أكثر من عائلة ومنطقة كما في هذه الأبيات:
يا دودحية ويا قُمري خُبان خبيرتش بنت عامل كوكبان
أمان يا نازل الوادي أمان
وكذلك:
يا دودحية لقينالش خبير هي بنت غمضان من البز الكبير
وبنت ابونيب في دمنة خدير أمـــان يا نـــازل الــوادي أمـان
وفي أغنية أخرى:
بنت الصباري وبنت الدودحي قد زوجين العزب والملتحي
أمـــان يا نـــازل الــوادي أمـان
ويشبه الشاعر البردوني الأغنية الدودحية في الفن الشعبي اليمني بخمريات أبي نواس في الشعر الفصيح، أو كغراميات إبن هتيمل اليمني، أو كعذريات الشعر الأموي، وكروميات أبي فراس في التوق إلى الإنطلاق من الأسر، لأن تلك الأغنيات لم تتوخ الدودحية كقضية، وإنما فجرت الكظوم النفسية لدى عامة الشعب، فلو أنها حدثت في واحد من بيوت الطبقة الدنيا لكانت من الأمور العادية ولما شغلت الشعراء والمغنين والباحثين.
ويرى الاديب عبدالله البردوني بأن حكاية «الدودحية» كانت ضحية عشق جسدته التقاليد فمنعت زواج العشيقين فأدى هذا إلى مايؤدي العشق المحروم فلاقت العشيقة مقتلها فشاعت عشرات الحكايات والاغنيات، فغناها كل اليمنيين من عام «41ـ 48». أيضاً يشير البردوني إلى أن حكاية الدودحية ،تكاد تماثل العديد من القصص والحكايات العربية مثل «الميجنة» في سورية الكبرى التي صارت رمز الفن الغرامي الغناء إلا أن «الميجنة» غائبة القصة حاضرت الترديد الغنائي وغيرها.
- وكالة انباء الشعر |