ريمان برس - متابعات - صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية رواية بعنوان «الميراث» للكاتبة «لأمل صديق عفيفى»، وتقع الرواية فى 320 صفحة من القطع المتوسط، وبغلاف يكتنز الكثير من المعانى التى تدور حولها الرواية، فصورة الهرم فى الغلاف تذهب بمعنى الميراث إلى آفاق بعيدة عن فكرة الأموال والعقارات التى قد يرثها المرء من أهله، كاستفادة وقتية.
المعنى المباشر الذى يصلك من رواية «الميراث» هو عودة يوسف من أمريكا إلى وطنه مصر بعد أعوام طويلة من «الغربة»، باحثًا عن حل لمشكلاته، فيجد فى واقعه الجديد ما هو أعقد ن ويدخل فى رحلة للبحث عن ميراثه، ذلك هو الهيكل الفنى البسيط والقريب لفكرة الميراث الرواية، والميراث المعنى، فى مراوحة زمنية ومكانية، تتمثل فى الرحيل بداية، ثم العودة، ثم التفكير فى الرحيل مرة أخرى، ورفض هذه الفكرة، فى بنية دائرية فنيًّا ونفسيًّا، لتنطلق فكرة الميراث من معنى مادى إلى قيمة أعمق، تتعلق بمفهوم الهوية معنويًّا وإنسانيًّا وتمزقاتها بين المحلى والعولمى.
هذه الفكرة – كما يوضح تقرير دار النشر - تم التعبير عنها فنيًّا بعوالم روائية تفيض بالتفاصيل والأحداث، وزخم الشخصيات وتناقضاتها ، وكل شخصيات الرواية تتوزع فيهم فكرة الاغتراب والرغبة فى الرحيل مكانيًّا وزمانيًّا، جسديًّا وروحيًّا، فمنهم من يريد مغادرة المكان بجسده، ومنهم من يريد العودة بالزمن إلى الوراء، فبطلا العمل (رجل وامرأة) الأول اغتراب جسديًا، ثم عاد ليدخل فى الاغتراب أى الانفصال النفسى والروحى عن الواقع الضاغط بمشكلاته، فيدخل إلى الاغتراب بمعناه الفلسفى الواسع، لكنه يتدارك نفسه ويحاول الاندماج فى واقعه، محاولًا تغييره، كذلك فإن العديدين من أبطال العمل مصابون بهذا الاغتراب، ومنفصلون عن الواقع لكنهم لا يحاولون تغييره، ويرون أن حل مشكلاته يكمن فى فكرة استخراج كنز (مادى)، يعوضهم عن فقرهم الواقعى روحيًّا وماديًّا، لكن البطل وقد عادت إليه شخصيته المصرية، يرفض استكمال هذا المخطط ويقرر البقاء فى وطنه، محاولًا تغييره إلى الأفضل، مع مراعاة حق الأجيال المقبلة فى اكتشاف كنوز أجدادهم التى تتمثل فى تراث مادى وفكرى وروحى : «كان منصور لا يزال يحاول إقناع يوسف بالعدول عن رأيه مشككا فى أنه اتخذ القرار الصحيح ، محاولًا حثه على الإقدام على الحفر بعد الاستعانة بشيخ جديد ، خصوصًا أنهم تأكدوا من وجود مقبرة ، ولكن يوسف أصر على الرفض ، قائلًا :
أنا مش عايز الفلوس الملعونة دى .. ثم أضاف مبتسمًا :
بكرة هيجى ناس ثانية ، وأيام ثانية ، وهتبقى الدنيا غير الدنيا .. وواحد من أولادى أولادى هيدخل التاريخ لأنه عمل كشف عظيم» .
وهكذا يرفض البطل فكرة كون الميراث هو معنى مادى وفقط تحل عبره مشكلات آنية، إلى معنى أعمق يشكل هوية المواطنين ، ومناط وجودهم ؛ والقارئ يقع فى فخ بساطة الحكى الذى انتهجه الروائية كاستراتيجية فنية لها، ليتسرب إليه هذا المعنى الأعمق لفكرتها، وتصوراتها من الوجود .
وكعادتها؛ فإن أمل صديق عفيفي، تحيط عملها بأجواء واقعية، تشى للقارئ بأن ما يجرى أمامه فى سطور الرواية هو شيء يقع فعلًا أمامه ، وذلك أنها تذكر الكثير من الشخصيات الواقعية التى شاركتها فكرة العمل ، وشكلوا عالمها الروائى ، وتذكرهم بأسمائهم الحقيقية وتثمن أدوارهم ، فالرواية عالم من أشخاص حقيقيين وإلى قراء حقيقيين ، لتكتمل فكرة الدائرية فى الرواية شكلًا وموضوعًا ، واقعًا وخيالًا ، كما أنها تهدى روايتها إلى الأديب والمفكر علاء الأسوانى الذى أعاد جيلًا بأكمله إلى الكتاب .
جدير بالذكر أن الرواية كتبت أساسًا كسيناريو لفيلم لكن كما تقول الروائية أمل صديق عفيفى : «ما عادت الجمل الحوارية على لسان الأبطال تكفيني، ولذا قررت أن أحوّل الفيلم إلى رواية.
والروائية أمل صديق عفيفى حاصلة على درجة الدكتوراه فى إدارة الأعمال من جامعة آستون بانجلترا ، ولها العديد من المؤلفات منها روايات : «يوم من الأيام»، «ونقطة ومن أول السطر» و«أنفلونزا الحمير» و«أيام فى حياة محمد علي» بالإضافة إلى سلسلتى كتب للأطفال «رحلة الزمان» و«حكايتنا كلنا»، وقد شاركت فى كتابة السيناريو للعديد من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، كما شاركت فى العديد من معارض الفن التشكيلى الجماعية ، وأقامت أخرى فردية .
اليوم السابع |