الرئيسية  |  الاتصال بنا  |  فيس بوك
ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ -

الجمعة, 12-أكتوبر-2012
ريمان برس - متابعات -
قدم لنا المخرج الشاب رازي الشطي مسرحية «كالا ونار» وهي عمل طقسي معد عن أسطورة سومرية بعنوان « نزول الإله عشتار - إنانا - إلى العالم السفلي». وتحكي الأسطورة عن زواج «دوموزي» (تموز) الراعي من الإله «إنانا» - عشتار - لكن هذا الزواج سيكونُ السبب في هلاكه في الجحيم وذلك عندما نزلت زوجته إلى العالم السفلي لتنتزع سلطانَ أختها «أريشكيغال» لكنها فشلت وكان ثمن عودتها من عالم الأموات أن تُسَلِّم بديلاً عنها ؛ البديل الذي اختارته كان زوجها المسكين «دوموزي» تَمُّوز.
وقد قام المعد أحمد محمدي بتناول هذه الأسطورة بالتعديل على أحداث أساسية فيها مثل فكرة الغواية بالخمر قبل نزول إنانا إلى العالم السفلي، مما يحيلنا إلى قصة الخطيئة الأولى والشجرة المحرمة التي خرج على إثرها آدم وحواء من الجنة فقد هبطت إنانا في مسرحيتنا من الأعلى إلى الأسفل مما يحقق الهدف الجديد من الإعداد وهو أن الهبوط من العلوي إلى السفلي مرتبط بالخطيئة فتغيرت أحداث الأسطورة من رغبة «إنانا» في الحصول على السلطة في العالم السفلي من أختها إلى عقاب «إنانا» على الغواية بالموت. وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال لماذا التضحية بالزوج؟ في الأسطورة جاءت التضحية في إطار أن تعود «إنانا» لتكتشف أن من دون الزوج «تموز» إله الزرع ستنضب الأرض وتموت الحياة فتتعاون هي وأخته «كرمة العنب» لتعيده إلى الحياة وبذلك تكون قد تمت دورة الحياة في الأرض إشارة إلى الفصول الأربعة في السنة، واكتمال دورة الحياة في أن كلاً له دوره الذي يؤدي للآخر حتى تكتمل الدائرة وتبدأ الحياة من جديد بفصولها الأربعة.
أما في النص المعد فجاءت النهاية بموت « تموز» ونثر الأوراق الخضراء على قبره، فجاءت نهاية المسرحية غير مفهومة لماذا التضحية وماذا بعد؟ فكأن المعد يقول إن التي أغوت بالخمر هي التي تكافأ بالبعث مرة ثانية إلى الحياة، فغابت الضرورة الدرامية، وغابت حتمية الفعل الدرامي ومنطقيته وبالتالي جاءت الحبكة ضعيفة وغابت المقولة الدرامية في النص.
وقد حاول المخرج تناول النص المعد بالطريقة التي تحقق غايته ورؤيته الشخصية منه، فقاده هذا الإعداد إلى إبهام دلالات عناصر العرض المسرحي لغياب المقولة وضعف الحبكة. فجاءت عناصر العرض المسرحي جميلة الصنع مفتقدة إلى الدلالة الدرامية وبالتالي إلى الترابط والتأثير الدرامي. فنجد الأزياء تحتوي على إتقان في الصنع دون دلالات للتمييز بين جانبي الحياة والموت، فساد اللون الأسود إلا من بعض الخطوط البنية التي تحدد تصميم الملابس السوداء على استحياء يصعب تحديد هويتها من خلاله.
لم تجسد الأزياء صراع الحياة والموت ولا ثنائيتهما، بل جاءت كل شخصيات الكورس تحمل الملابس نفسها تقريبا. على عكس ما حدث في الأقنعة التي حاول من خلالها الفنان التمييز بين فريقي الحياة والموت ما أحدث إبهاماً وغموضاً في الدلالة مما أضعف الأثر الدرامي لأزياء الكورس.
وقد أكدت الحركة المسرحية وأداء الممثلين على إبهام الدلالات، فجاءت الأصوات في غالبيتها أحادية الأداء (مونوتونية) تبعث على الرتابة، فمنها التكرارات المتعددة للكلمات دون ضرورة تأكيد معنى أو المبالغة والتصعيد فيه ما أدى إلى أحادية الأداء وبالتالي أحادية المعنى فلا تمييز بين أداء جماعي أو فردي، ولا تمييز بين جانب حياة أو موت، إلا أن تشكيلات الجسد التي وظفت في بعض مواضع المسرحية مثل المقدمة جاءت معبرة عن المواضع التي استخدمت فيها دون أن تستمر حالة الدلالة الجميلة في بداية العرض إلى بقية أجزاء العرض المسرحي.
أجاد المخرج استخدام مساحات المسرح بشكل عام ولم يركز على منطقة دون الأخرى، وكذلك استخدم المستويات الرأسية ممثلة في العروش الشاهقة الارتفاع في الحياة والممات. وكذلك أجاد استخدام الربط بينها بالسلالم تارة وبالمنحدر تارة أخرى فجاءت الحركة جميلة منسابة مريحة للعين ما أدى إلى الاحساس بإيقاع حركي نشيط يعادل الإيقاع البطيء في النص المعد. وقد ساعد الديكور المسرحي جدا على إخراج هذا العرض إلى النور، وفي رأيي فإن الديكور هو بطل العرض الحقيقي الذي جمع أشلاء الأسطورة في صورة بصرية جميلة ومعبرة حتى وإن شابته بعض الهنات إلا أنه العنصر الأكثر توظيفا ودلالة درامية في هذا العرض.
وجاءت الموسيقى لتأكد على أسطورية العمل وعدم واقعيته لعدم ارتباطها بزمان أو مكان معينين، إلا أن استخدام آلة العود فقط طوال العرض أضعف من الأثر الطقسي للموسيقى الذي يمكن أن يحدثه توزيع آلات وترية متعددة مع آلة العود أو غيرها في جمل بوليفونية لتعميق الإحساس بالأثر التراجيدي وهو الدور المنوط بالموسيقى التصويرية أن تلعبه في مثل هذه الأعمال الدرامية من تمهيد أو تعميق أو تعليق على الحدث أو ربط بين مشاهده.
وفي النهاية فإنها محاولة جادة لإحياء تراث أسطوري وإعادة توظيفه في الحياة المعاصرة حتى لا تنقطع بنا الأسباب ونتيه في دنيا لا جذور لنا فيها في ظل عولمة باتت تمحو الهوية الإنسانية إلى هوية الآلة وعصرها المادي.
الراي

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS

مختارات
جميع حقوق النشر محفوظة 2025 لـ(ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½)