ريمان برس - متابعات - أقيم ـ قبل فترة ـ في العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، مهرجان المشاهد العربي للسينما العربية. المهرجان يحتوي على عدد من الأفلام المختارة خصيصا للمشاهد الأميركي من عدد من الدول العربية. سأحاول هنا إلقاء بعض الضوء على العروض وتأملات في هذا النشاط المهم.
أحد العروض المميزة كان للفيلم اليمني "الرهان الخاسر" The losing bet الفيلم من إخراج اليمني فاضل العليفي وبطولة نبيل حازم وعبدالكريم الشموري وعدد من الممثلات والممثلين اليمنيين الذين لم تتح للمشاهد العربي كثيرا فرصة التعرف عليهم. هذا العمل يعد تقديما مميزا للسينما اليمنية التي تعالج القضايا المحلية، وتحاول أن توسع نظر المشاهد العربي تجاه عدد من القضايا الحساسة والمهمة. القضية الأساسية في الفيلم هي قضية الإرهاب والتطرف الديني ومن المعلوم أن اليمن من أكبر الدول التي تعرضت للكثير من الأعمال الإرهابية، وأن التطرف وجد له أتباعا من الشباب اليمني تسببوا في الكثير من الكوارث والآلام داخل اليمن وخارجها. القاعدة اليوم تتمركز بشكل كبير في اليمن وتستثمر الاضطراب السياسي في البلد.
ابتداء لا بد من القول: إن طاقم العمل مشكور جدا لمشاركته بهذا العمل وبهذه القضية في الغرب تحديدا لأنهم تجاوزا حسابات صغيرة تفرّق بين البشر بحسب سياقاتهم الثقافية والتاريخية. يتردد كثير من العرب عن الحديث عن مشاكل بلده الثقافية والفكرية في الغرب لعدة أسباب منها مثلا اتهامه بالخيانة والعمالة والتآمر للغرب ضد بلده. تردد هذه التهم تيارات ربطت وجودها بحالة عداء أزلية مع الغرب وجعلت أي انفتاح عليه يعتبر خيانة وغدرا وعمالة. أبطال العمل ومخرجه كانوا أكبر من هذا التفكير وأكثر انفتاحا على أنفسهم وعلى الآخر خصوصا وهم يعلمون أن طرح مشكلة الإرهاب للعالم هو قبل كل شيء في صالح الإنسان اليمني الذي عانى من هذه الحالة المتصاعدة ومن طريقة معالجتها محليا ودوليا. من الأسباب التي تمنع العربي من الحديث بصراحة عن مجتمعه الهويّة القلقة التي تحاول التماسك بالستر بدلا من الانكشاف. الهوية العاجزة عن مواجهة أخطائها والدخول مع الآخر في حديث صادق عن الذات.
الفيلم يفتح هذا الملف من خلال الانطلاق من قرية يمنية أثرية تعيش على السياحة واستطاع أهلها إنجاز علاقة مميزة مع السياح الغربيين الذين يزورون اليمن للتعرف على الآثار التاريخية الشهيرة. تجسدت هذه العلاقة في صداقة قوية بين فتاة يمنية جميلة وأخرى غربية مثّلت حالة تواصل رغم الاختلافات التاريخية والثقافية. لكن هذه الصورة سرعان ما تختفي ملامحها الجميلة لتحل بدلا عنها وبالتدريج صورة مظلمة قاتمة بطلها جماعة إرهابية متطرفة يقودها أخ الفتاة اليمنية الصغيرة. الأخ الذي غاب فترة من الزمن وعاد بشكل مختلف عاد ليحول القرية إلى مكان من الخراب من خلال قطع علاقتهم بالكفار السياح وبالتالي قطع أرزاقهم، ومن جهة أخرى عاد الأخ ليصطاد الشباب العاطلين عن العمل ليتحولوا معه إلى أحزمة ناسفة تحرق الأخضر واليابس.
القرية هنا تتحول من حالة التواصل إلى حالة القطيعة. كانت لحظة حاضرة منفتحة تربط تاريخ اليمن الطويل والثري والثمين مع المستقبل المفتوح على العالم. كان أهل القرية يعتاشون على حالة التواصل هذه. التواصل والانفتاح هو مصدر رزقهم وذاكرتهم التي تربوا عليها. كيف بهم الآن والانقطاع يحل بدلا عن ذلك لتتحول القرية إلا شيء لا يعرفونه. شيء صادم لكل ما كانوا يعتبرونه طريقا لوجودهم وتصورا لحياتهم. هنا يبدو الإرهاب ضدا حقيقيا للحياة.
الفيلم مملوء بمشاهد عنيفة حاولت أن تكشف من الداخل آلية عمل الجماعات الإرهابية وكيف تستطيع أن تصل إلى الشباب وتؤثر عليهم مستغلة جهلهم وعطالتهم عن العمل، كما يلفت الفيلم الانتباه إلى مسؤولية الأسرة تجاه أبنائها من خلال مناجاة بين شيخين كبيرين تحول أبناؤهما إلى قنابل ناسفة.. إلا أن الثغرة الكبيرة الناقصة في الفيلم، هي ثغرة الموقف من الدولة وإخلائها بالكامل من المسؤولية عن أعمال التطرف والإرهاب.
قدم المخرج الصورة منقوصة ـ من وجهة نظري ـ وإلا فإن الفساد المالي والإداري والسياسي، وغياب الديموقراطية الحقيقية، وحالة الركود الاقتصادي، والضعف الكبير في برامج التربية والتعليم، لا يمكن أن نبعدها عند النظر في قضية كبيرة مثل قضية الإرهاب. المشاهد الغربي الذي سيتابع هذه الأفلام في الغالب مشاهد واع ومطلع على طبيعة سير الأمور، وفي رأيي أن قضية الإرهاب تحتاج مواجهة صادقة من الجميع من خلال تعميق النظر وتوسيع الصورة قدر الإمكان دون التورط في أغراض دعائية لا تسهم إلا في تغييم الصورة أكثر وأكثر.
يقلق الكثير من المتابعين أن المواد التي تصل للغرب هي في الغالب مواد موجّهة ولا تعكس وجهات النظر الحقيقية على الأرض. هذا قلق حقيقي وغالبا لا يتخلص منه إلا أولئك المهاجرون الذين قطعوا العلاقة مع الحسابات الداخلية في بلدانهم الأصلية وأصبحوا يملكون قدرا أكبر من الاستقلال والتحرر. على كل الأحوال الفيلم كان فرصة للقاء والحوار والتواصل بين الفنانين اليمنيين والعرب مع الجمهور الأميركي وهذا بحد ذاته حدث يستحق الاحتفاء.
الوطن |