ريمان برس - خاص - تعتبر المشاركة السياسية من أحد آليات الفعل السياسي الناتج من النشاط البشري كونه حق وطني ولذا فيعتبر هذا الفعل مقياس لتقدم المجتمعات أو تأخرها فكل المجتمعات المعاصرة تأخذ هذا المنحي باعتباره أحد آليات الفعل الاجتماعي داخل المجتمع فهو يشكل دوراً إنسانياً اجتماعياً بدرجة أولى, وعلى هذا الأساس ((فإن ثمة مواطناً ينبغي أن يشارك بصورة فاعلة في شئون السياسة)) من هذا المنطلق يعتبر دور المرأة له أهمية في هذه العملية المتمثلة بالمشاركة السياسية باعتبارها تشكل نصف المجتمع, كما أنها في المجتمع اليمني تشغل نصف السكان, الجدير بالذكر أن الدستور اليمني قد أعطى الحق في المساواة في كافة الحقوق والواجبات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأيضاً السياسية فالقانون قد كفلها لكلا الجنسين باعتبارهما جزء لا يتجزأ من المجتمع وبناء على ذلك وجدت أدوار فاعلة في تشجيع ولو لوج المرأة اليمنية في مراكز قيادية حساسة بالنسبة لمواقع صنع القرار السياسي, بيد أنه توجد ضآلة نسبية ترجع في أغلبها إلى إعاقة هذا الفعل نتيجة لما يفرضه الواقع الاجتماعي والذي يشكل العائق الجوهري بمشاركة المرأة اليمنية في الحياة السياسية.
ويمكن القول أنه مهما قامت مؤسسات الدولة بتشجيع ودعم المرأة للترشيح والانتخاب السياسي إلا أن الانعكاس الذي تشغله منظومة العادات والتقاليد بالإضافة إلى انتشار الأمية لدى قاعدة كبيرة في أواسط النساء يؤدي إلى إعاقة هذه العملية أو الحد منها.
تعد المشاركة السياسية حق إنساني ووطني وتشريعي تشكل شخصية المواطن داخل المجتمع بالدرجة الأولى، وتشكل المرأة اليمنية نصف تعداد السكان في المجتمع اليمني لذى لابد من إشراكها في العملية السياسية باعتبارها جزء لا يتجزأ من البناء الاجتماعي في اليمن، كما إن وجود المرأة اليمنية في مواقع صنع القرار يعمل إلى توضيح متطلبات واهتمامات النساء داخل المجتمع اليمني, وذلك من خلال إشراك المرأة لمعرفة الحقوق التي قد لا يعرفها الرجل وتوضحها المرأة من خلال مشاركتها في مواقع صنع القرار.
أ- مفهــوم المشاركــة السياسية
تعتبر المشاركة السياسية جوهر العملية الديمقراطية في أي مجتمع من المجتمعات, وكلما تزايد حجم المشاركة في العمل السياسي من الذكور والإناث كلما دلل ذلك على شرعية النظام الحاكم, وتعتبر المشاركة السياسية من أهم ركائز الديمقراطية ولذلك فهي حق من حقوق المواطنة،وتكون المشاركة السياسية للمرأة تعبيرا عن نشاطاتها من حيث عضويتها في الأحزاب والمنظمات الأهلية أو الاشتراك في الانتخابات كناخبه ومرشحه أو دورها في الحملات الانتخابية والمناقشات العامة أو توليها مناصب سياسيه رسميه أو قيادة منظمات سياسيه أو أهليه تنشط في المجال العام.
ب -: الحقوق السياسية للمرأة في التشريعات الدولية:-
واهم مصادر المرجعية القانونية الدولية التي تعتمدها اليمن من اجل ضمان مشاركة المرأة في العمل السياسي الاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها الحكومة اليمنية وهي:
1) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
2) العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
3) العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
4) اتفاقيه القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979 "الشرعية الدولية لحقوق المرأة"
5) اتفاقية حظر البغاء واستقلاله 1949
6) اتفاقية منظمة العمل الدولية حول التوظيف المتساوي وإقرار مبدأ الأجر المماثل مقابل العمل ذي القيمة المماثلة 1951
7) اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة 1952
8) اتفاقية اليونسكو ضد التمييز في التعليم 1960
9) اتفاقية حقوق الطفل 1997
10) اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة وحقها بالاحتفاظ بجنسيتها الأصلية 1957
11) اتفاقية القبول والوعي بالزواج والسن الدنيا للزواج وتسجيله 1962.
12) الوثائق الصادرة عن المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة وهي:
- المؤتمر العالمي الأول للمرأة -المكسيك-1975م.
- المؤتمر العالمي الثاني للمرأة -كوبنهاجن-1980م.
- المؤتمر العالمي الثالث للمرأة -نيروبي-1985م.
- المؤتمر العالمي الرابع للمرأة -بيجين-1995م.
في هذا الصدد تدعو الاتفاقيات الدولية جميع الدول التي وقعت وصادقت على تلك الاتفاقيات والمعاهدات العمل على:
• القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وان تتعهد على اتخاذ كل التدابير المناسبة لتجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها وتشريعاتها الوطنية.
• تبنى تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بالمساواة بين الرجل والمرأة.
• منح المرأة أهليه قانونيه وسياسيه مماثله للرجل.
• اتخاذ خطوات عملية تستهدف تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على التمييز في العادات العرفية والتقاليد وكل الممارسات القائمة على فكرة دونية أو ادوار نمطية للرجل والمرأة.
• إلغاء جميع القوانين والأنظمة والأعراف القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.
• أن تقوم الحكومات بإنشاء اطر مؤسسية وطنية للنهوض بالمرأة.
• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
نصت المادة الثانية من الإعلان على حق التمتع بالحقوق والحريات كافة دون تمييز: "لكل إنسان حق التمتع بالحقوق والحريات كافة في هذا الإعلان دون أي تمييز، بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أوالدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، ودون أية تفرقة بين الرجال والنساء".
وأكدت (المادة 21) من الإعلان على أنه:
لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين مختارين يختارون اختياراً حرّاً.
لكل شخص الحق نفسه الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.. نصت الفقرة الرابعة من (المادة 23) من الإعلان على أنه "لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات لحماية مصالحه).
• العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: نصت المادة الثانية من العهد الفقرة الأولى على تعهد الدول الأطراف في العهد باحترام، وتأمين الحقوق للأفراد كافة ضمن إقليمها دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس...إلخ وفي ذلك تأكيد لنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ثم أكد العهد في المادة الثالثة منه على أن "تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في العهد".
أما (المادة 25) من العهد فقد نصت على أن "يكون لكل مواطن دون وجه من أوجه التمييز المذكورة في (المادة 2) الحقوق التالية التي يجب أن تتاح له، فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
أن يشارك في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية.
أن ينتخب ويُنتخب في انتخابات حرّة نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرّي وتضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
أن تتاح له على قدم المساواة عموماً مع سواه فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.
• اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة:
شملت الاتفاقية (11) مادة تضمن حقوق المرأة في المشاركة السياسية اعتماداً على المساواة التي أكد عليها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونصت المادة الأولى من الاتفاقية على حق النساء في التصويت في الانتخابات، وأكدت المادة الثانية على أهلية النساء في الانتخابات لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، وأكدت المادة الثالثة على أهلية النساء لتقلد المناصب العامة؛ والاتفاقية بموادّها تؤكد على حق النساء في الترشيح والتصويت والولاية.
• اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيدأو):
تعتبر الاتفاقية الأكثر تخصصاً بشأن الحقوق الخاصة بالمرأة والقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وقد نصت المادة السابعة من الاتفاقية على أنه تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد وبوجه خاص تكفل للمرأة على قدم المساواة مع الرجل الحق في:
التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة وأهلية الانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام.
المشاركة في صياغة سياسة الحكومة وتنفيذ هذه السياسة وفي شغل الوظائف العامة وتأدية جميع المهام العامة على جميع المستويات الحكومية.
المشاركة في جميع المنظمات والجمعيات غير الحكومية التي تُعنى بالحياة العامة والسياسية للبلد.
ب- الحقوق السياسية للمرأة في الدستور اليمني
إذا تحدثنا عن الدستور اليمني فسنجد انه يتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالحقوق السياسية ولا تخرج قواعده العامة عن هذه المساواة رغم أن نصوص الدستور جاءت في صياغة لم تضع تعريفاً حاسماً للمقصود بالمواطن بحيث يتم حسم التعريف بشأنه فيقصد به الرجل والمرأة كأن يكون "المواطن والمواطنة"- " يمني ويمنية"، وعليه فإنه يمكن وضع مقدمة في الدستور الجديد بعد مؤتمر الحوار الوطني الشامل يتضمن هذا التعريف لتحقيق إزالة أي لبس يمكن أن يعترض التعامل على قدم المساواة بين المرأة والرجل في الدستور.
وسنتناول فيما يلي نصوصاً دستورية أكدت على حق المرأة في المشاركة السياسية:
مادة (4): الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة, كما يزاولها بشكل غير مباشر عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعن طريق المجالس المحلية.
مـادة (5): يقوم النظام السياسي للجمهورية على التعددية السياسية والحزبية.
مادة (6): تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعه الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف به بصورة عامة.
مادة (24): تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
مادة (26): الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق وحب الوطن يحافظ القانون على كيانها ويقوي أواصرها.
مادة (30): تحمي الدولة الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب.
مادة (31): النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون.
مــادة (41):المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة.
مادة (42): لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون.
مادة (43): للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء.
مادة (58): حق المواطنين في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً مع كفالة الدولة لضمان هذا الحق واتخاذها لجميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسة هذا الحق.
وبرغم أن هذه المواد تمثل عنصر المساواة لكنها لا تقدم تمييز ايجابي يساعد المرأة على الحصول على حقها في المشاركة السياسية وفق ما تنص عليه اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.ولابد للمشرع اليمني عند صياغة الدستور الجديد بعد الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني الشامل مراعاة ما أشرنا إليه بالعمل على تعزيز دور المشاركة السياسية للمرأة بنصوص واضحة وصريحة.
ورغم أن الدستور يحتوي على هذه النصوص غير أن ما يتعلق بترشح المرأة لمنصب رئاسة الجمهورية فإن المرأة تواجه نص يمكن اعتباره تمييزي ضدها ويكشف عن الصياغة الذكورية للدستور حيث تنص المادة (107) من الدستور على انه " كل يمني تتوفر فيه الشروط المحددة فيما يأتي يمكن أن يُرشِّح لمنصب رئيس الجمهورية:.. هـ / أن لا يكون متزوجاً من أجنبية وألا يتزوج أثناء مدة ولايته من أجنبية" ورغم أن هذا الموضوع لم يتم إثارته أثناء تقديم الطلبات من الراغبات في الترشح وتم قبول ملفات النساء المتقدمات للترشيح في الانتخابات الرئاسية 2006م لكن هذا لا يمنع من القول بوجوب تغيير هذا النص بما يمنع أي محاولة لحرمان المرأة من حقها في المشاركة في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية كما انه من المهم إزالة العوائق التي تحول دون مشاركة المرأة في هذا الجانب ومن ذلك ما تنص عليه المادة (108) من الدستور التي تشترط أن " تعرض أسماء المرشحين الذين تتوفر فيهم الشروط في اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى للتزكية. ويعتبر مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية من يحصل على تزكية نسبة خمسة في المائة (5%) من مجموع عدد الأعضاء الحاضرين للمجلسين وتكون التزكية بالاقتراع السري المباشر." حيث أن اشتراط حصول المرأة على التزكية أسوة بالرجل يتجاهل صعوبات اجتماعية وسياسية تمنع المرأة من الحصول على التزكية بنفس المقدرة التي يتيحها المجتمع للرجل.
وبصورة إجمالية فإن الدستور بحاجة إلى تعديلات في هذا الجانب وفي مقدمتها الأخذ بنظام القائمة النسبية بدلاً من نظام الدائرة الفردية.
- *عارف المعمري: باحث سياسي |