ريمان برس - خاص -
عرض /أيوب التميمي
الرعاع والغوغاء والهمج والبروليتاريا مصطلحات كثيراً ما سمعناها، وغالبا ارتبطت بإشارات سلبية عن مجموعات بشرية تتصرف تصرفات غير عقلانية، بل قد تصل بعض تصرفاتها إلى الحيوانية الغبية، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذه الشريحة تمثل خميرة التغيير في مسار التاريخ.
كما يقول عالم الاجتماع الأمريكي إيريك هوفر: (إن مسرحية التاريخ يمثلها عادة طرفان، الصفوة من جانب، والغوغاء من جانب آخر، دون مبالاة بالأغلبية التي تقع في الوسط)..!
الغوغاء: ظاهرة اجتماعية في كل المجتمعات كما يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي
. وأشار إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قبل مئات السنين، حيث قال عن الغوغاء{ أنهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح.}
وأطلق عليهم كارل ماركس في البيان الشيوعي البروليتاريا وقصد بهذا المصطلح العناصر المتفسخة المهترئة التي تعيش على هامش الطبقة العاملة.
الغوغاء دوما في مقدمة أتباع الحركات الثورية الجماهيرية القومية أو الدينية أو الاجتماعية، كما يمثلون الجزء الكبير في الهجرات الجماعية؛ فهؤلاء هم من عبر المحيط لبناء أمريكا، ومن عمر استراليا.
(إن المنبوذين والمهمشين هم المادة الخام التي يصنع منها مستقبل الأمة، أي أن الحجر المطروح في الشارع يصبح حجر الزاوية في بناء عالم جديد.
إن الأمة التي تخلو من الغوغاء هي التي تتمتع بالنظام والسلام والاطمئنان، إلا أنها أمة تفتقر إلى خميرة التغيير)._._ إيرك هوفر.
إن هذه الشريحة كثيرا ما تحدد مصير الجماعات والأمم والحضارات، والسبب أن هؤلاء البروليتاريا لايكنون أي احترام للأوضاع القائمة. إنهم يعدون حياتهم فاسدة بلا أمل في العلاج، ويحملون النظرة نفسها للأوضاع القائمة. ومن هنا فأنهم على استعداد دوما لتحطيم كل شيء ولنشر الفوضئ والقلاقل.
كما أن بقاء هذه الشريحة بحجمها الكبير الواسع يعني أن الاضطرابات والإشكاليات ستبقى موجودة، يقول الوردي: في الثورة الفرنسية شهدنا المقاصل تنصب ويساق إليها العدد الغفير من الأبرياء والمدنيين زرافات ووحداناً، وكانت الجماهير تجلس حول المقاصل تضحك على ضحاياها وتتفرج على الطريقة التي يذبحون بها كأنها كانت تتفرج على مسرحية جميلة..!
ومن هنا كانت أهمية إزالة الأحباط الذي عشعش في النفوس، وأنبت فيها الرغبة في الانعتاق من المجتمع، والبحث عن التغيير السريع، وهذا يمكن تحقيقه من خلال التركيز على الأمل بالمستقبل، فمن طبع الإنسان أنه حينما يحلم يصير لديه القدرة على احتمال الوضع الراهن والصبر للحصول على الحلم.
لهذا فالثورة السياسية والاقتصادية لا تكفي وحدها للتغيير كما يظن البعض، الثورة الفرنسية بقيت تداعياتها كما يقول غوستاف لوبون في كتابه الشهير سيكولوجيا الجماهير أكثر من 100 عام..!
وقد وفق الدكتور علي الوردي في كتاب الأحلام بين العلم والحقيقة حينما قال: (هناك رواسب فكرية واجتماعية ترسبت في أعماق نفوسنا على مدى أجيال عديدة، وليس من الممكن زوالها حالاً بمجرد تغيير نظامنا الاقتصادي والسياسي. إنها ليست طفحاً طارئاً نشأ في يوم واحد حتى يمكن إزالته في اليوم التالي. أرجح الظن أنها ستبقى فعالة تؤثر في سلوكنا مدة طويلة، ولعلها ستصبح ركيزة لكل من يبتغي الكيد بنظامنا الجديد مرة بعد مرة.
نحن نحتاج إلى ثورة فكرية واجتماعية مثلما نحتاج إلى ثورة سياسية واقتصادية. ونحن لا ننتظر من ثورتنا أن تواصل السير في طريقها المنشود ما لم نرشد الشعب في عقولهم الباطنة من رواسب قديمة تنخر في كيانهم الاجتماعي وتعرقل عليهم سبيل الحياة). |