ريمان برس - خاص - عبدالغني اليوسفي -
من اقوال الرثاء في الفراق .
سأَبكي وأَستبكي عليك المعاليا … وأسْكُبُ من عَيني الدموعَ الجواريا
وأَصْلى لظى نار الأسى كلّما أرى … مكانك ما قد كان بالأمس خاليا
وإنْ لم يكن يجدي البكاءُ ولم يعدْ … عليَّ الأسى من ذلك العهد ماضيا
ومن حقِّ مثلي أنْ يذوب حشاشة ً … من الحزن أو يبكي الديار الخواليا
مضى أيها الماضي بك الجود والندى … وأصبحَ روض الفضل بعدك ذاويا
لئِنْ كنتُ أغدو من جميلك ضاحكاً … لقد رحتُ ألفى موجع القلب باكيا
وقد كنتُ ألقى الخيرَ عندك كلَّه … إلى أنْ قضى الرحمن أنْ لا تلاقيا
فقدناك فقدانِ الغمامة أقلعتْ … وقد ألْبَسَتْ برد الربيع اليمانيا
وكان مرادي أنْ أكون لك الفدى … ولكن أراد الله غير مراديا
على هذه الدينا العَفا بعد باسلٍ … عقير المنايا يعقر الليث جاثيا
ولو أنَّ قَرْماً يفتدى من مَنِيَّة ٍ … ويمضي بما يفدي من الموت ناجيا
فدتكَ صناديدُ الرجال وأرخصتْ … نفوساً أهانتها المنايا غواليا
لقيتُ بك الأيامَ غرّاً فأصبحت … بفقدك يا شمس الوجود لياليا
وما كنتُ أخشى أنْ أراعَ بحادثٍ … يجرُّ إليَّ القارعات الدواهيا
وفي نظر من عين لطفك شاملي … لقد كنتَ مرعيّاً وقد كنتَ راعيا
وكنتُ إذا يمَّمتُ جودك ساخطاً … على الدهر أمضي من جميلك راضيا
أمرُّ على ناديك بعدك قائلاً … سُقِيتَ الحيا المنهلَّ بالوبل ناديا
وأذكرُ ما أَوْلَيْتَني من صنائعٍ … من البرّ معروفاً وما كنت ناسيا
وكنتُ متى أسعى إليكَ بحاجة … حَمِدْتُ لدى علياك فيك المساعيا
فيا جَبَلاً ساروا به لضريحه … يطاول بالمجد الجبال الرواسيا
… وفي رحمة الرحمن أصبحتَ ثاويا
تبوَّأتَ منها مقعدَ الصدق مكرماً … ونلْتَ مقاماً عند ربك عالياً
وغودِرْتَ في دار النعيم مخلَّداً … وفارقْتَ إذ فارقْتَ ما كان فانيا
فيا ليتني ذقتُ المنيَّة قبله … ولم أَرَ فيه ما يشيب النواصيا
صروف المنايا العاديات كأنَّها … تخال الكرام الأنجبين أعاديا
قضى الله بالأمر الذي قد قضى به … وكان قضاء الله في الخلق جاريا
أقلِّبُ طرفي بالرجال وأغتدي … لنفسي خاطباً ومناجياً
تبدَّلتِ الشُّمُّ العرانين والتوتْ … بهم بدهى ً دهياء تُصمي المراقيا
ولم يَبْقَ في دُنياي من لو فقدْتُهُ … أَسَيْتُ له أو كان للحزن آسيا
لقد زالت الشُّمُّ الرواسي فلم نبلْ … إذا زلزلتْ بعدَ الجبال الرواسيا
سُقِيتَ الغوادي طالما قد سَقَيْتَني … فما تُدْرَكُ الآمالُ إلاّ أمانيا
وحيّاك منهلٌّ من المزن رائحاً … وحيَّاك منهلٌّ من المزن غاديا
ترحَّات عنا لا ملالاً ولا قلى ً … وهل يعرف السلوانُ بعدك ساليا
وحال الثرى بيني وبينك بالردى … فما تدركُ الآمالُ إلاّ ما أمانيا
كأَنَّك لم تُولِ ولم تُنِل … جزيلاً ولم تطلق من الأسر عانيا
عزاءً بني قومي فإنّكم … فقدتم به ظلاً على الخلق ضافيا
ودِرعاً حصيناً يعلَمُ الله أنَّه … مدى الدهر لم يبرح من الدهر واقيا
بنى لكم المجد الأثيلَ الذي بنى … ولا تهدمُ الأيام ما كان بانيا
إذا بزغتْ منه نجومُ مناقبٍ … أباهي بساريها النجوم السوارايا
لِمَن أنظِمُ الشعر الذي دَقَّ لفظه … ورقَّ أساليباً وراق معانيا
وما كان يحلو لي القريض ونظمه … إذا لم يكن في ذكره الشعر حاليا
وأقسمُ لو لامستُ قبرك فالغنى … وحقّك مرجوُّ الحصول به ليا
أَخَذْتَ المزايا والمكارم كلّها … جميعاً فما أبْقَيْتَ للناس باقيا
… مَضَيْتَ ولم يُعْقِبْ لك الدهر ثانيا
يُراعُ بك الخطبُ المهولُ وتُنتَضى … على حادث الأيام عضباً يمانياً
وكم نعمة أوليتها وحسرة … غَدَوْتُ بها من لوعة البين شاكيا
إذا نَثَرتْ عيني عليك دموعَها … نظمتُ لأحزاني عليك القوافيا
وقد كنتُ أشتاق المدائِحَ قبلَها … وبعدك لا أشتاق إلاّ المراثيا |