ريمان برس - خاص -
يحكى ان حاكما ذات زمن حكم مصر اسمه ( قراقوش) انهك مواطنيه بقوانين الجبايات والضرائب حتى افقرهم فكثرت الجنائز اليومية للاموات من مواطنيه الذين ماتوا جوعا بعد ان افقرهم الحاكم ونهب كل ما كان لديهم من ثروات وحبوب وبهائم، حتى إنه امر مواطنيه بإطلاق ( لحاهم) ومن لم يفعل يفرض عليه غرامة باهضة، ثم امرهم بمرسوم اخر بحلق لحاهم ومن لم يفعل يحمله غرامة، حتى هلك الناس من الجوع وفتك بهم الموت وحين شاهد كثرة الجنائز اصدرا مرسوما بفرض ضرائب على كل جنازة..؟!!
لست مع القطاع الخاص المحتكر والمرابي والمتهرب من دفع حقوق الدولة، وانا ضد الاستغلال بكل اشكاله سوا كان استغلال التاجر للضروف القهرية التي تمؤ بها البلاد او استغلال الدولة واجهزتها لفرض قوانينها الجزافية التي قد لا تختلف عن اساطير قوانين ( قراقوش) الشهيرة، واعرف أنه وفي الضروف الاستثنائية التي تمر بها اي بلد يفترض أن تتكامل جهود القطاعات الاقتصادية والتجارية والتنموية مع اجهزة الدولة التي يحتم عليها واجبها الوطني والدستوري ايجاد رؤية اقتصادية تكاملية تراعي مصالح القطاعات الاقتصادية ومصلحة المواطن وقد تتدخل الدولة بدعم القطاعات الاقتصادية والتجارية لكي تؤدي عملها بسلاسة ولا تخل بأنشطتها ودورها في توفير المتطلبات الحياتية والاستهلاكية لمواطنيها..
في بلادنا هناك ثمة قوانين واجراءات ( قراقوشية) غير معلنة لكنها تطبق على الواقع بطرق جد عبثية لذا دعوني اوضح بعض الحقائق الغائبة عنا معشر المواطنين الذين كثيرا ما نصفق لأي أجراء تتخذه الدولة واجهزتها بحق هذا القطاع الاقتصادي او ذاك وكأن أعدائنا هم اصحاب هذه القطاعات وحسب..!؟!
بيد ان هناك سلسلة تساؤلات متعلقة بهذا الجانب ابداها بهل يمكن لأي ( تاجر او مجموعة اقتصادية) ان تفكر بتحقيق ارباحا عبر استغلال الضروف والازمات خاصة ان تعلق الامر بمجموعات اقتصادية وصناعية كبيرة؟ وساتكفل بالاجابة واقول قطعا هذا لا يمكن ان يحدث فهوا ضد مصالح هذه القطاعات ومنافية لدورها ومكانتها وسمعتها، لكن هناك ثمة مشاكل غير منظورة تعاني منها هذه القطاعات خاصة في ظل غياب الرؤية الاقتصادية والتنموية للدولة واجهزتها وعدم اكتراثهم بمعاناة مواطنيهم وان اكترثوا في لحظة ماء وامام ضغط الشارع سرعان ما يبحثون لهم عن ( كبش فداء) من القطاع الاقتصادي ليلقوا عليه كل موبقات فشلهم..؟!
قبل فترة غير بعيدة اتخذت ما يسمى بحكومة ( الشرعية) قرارا برفع سعر ( الدولار الجمركي) الذي يجمرك به التاجر المستورد بضاعته عند دخولها من المؤاني والمطارات والمنافذ المختلفة في البلاد من ( 250) ريال للدولار إلى ( 500) ريال اي رفعت الحكومة المتحكمة بالمنافذ اليمنية تعريفة الجمارك 100٪ وهذه من يتحملها التاجر والتاجر يضيفها لسعر السلعة والمواطن المستهلك هو من يتحملها في الأخير وهذا وفق قوانين وتشريعات السوق..؟!
الأمر لا يتوقف هنا فكلنا نعرف قانون اخر اسمه قانون ( بن هادي) واليوم لم يعد ( بن هادي) وحيدا فقد تطور وتوسع واصبح هناك ( قبيلة بن هادي) للأسف الشديد، وكل واحد من هولاء يقف في طريق المستورد ومالك السلعة ومسوقها بحثا عن حقه وإلا سيفتعل ألف معركة ومعركة وسبب وذريعة؟!
إذا تخلص المستورد من ( قبائل هادي) وجد نفسه أمام الف نقطة ونقطة وكل نقطة تفتيش لا تبعد عن سابقتها إلا ببضعة مترات ومن الصعب ان يمر صاحب البضاعة مرور الكرام في كل هذه النقط..؟!
ومن يجمرك بميناء عدن ويغادرها نحو تعز يمر بعدة نقط تفتيش ولكل نقطة قانونها قبل ان يصل جمرك ( الراهدة) مثلا وهناك عليه فاتورة جمركية جديدة عليها سدادها تشمل ( التحسين والنظافة) وإستحقاقات اخرى عليه دفعها قبل ان يسمح له بالمغادرة بحمولته وعلى الطريق امامه سلسلة من الاستحقاقات يجب دفعها لكي يمر بسلام إلى غايته النهائية.. وكل هذه المدفوعات قطعا وطبيعي يضاف إلى قيمة السلعة المستوردة، هذا أن لم تكون وجهته _ العاصمة صنعاء _ مثلا وعليه ان يمر بمحافظات _ تعز _ إب _ ذمار _ صنعاء _ قبل ان يصل إلى امانة العاصمة الوجهة الاخيرة وقد دفع مبالغ مضاعفة عن قيمة السلعة الفعلية من بلد الاستيراد..
إلى جانب كل هذا فالتاجر مطالب بدفع الجمارك كاملة والضرائب والضريبة المضافة وضريبة الاستهلاك واتاوات اخرى وتبرعات ورسوم متعددة المسميات وصدقات وزكاة و.. و.. و. الخ..؟!
طيب اين دور الدولة هنا؟ واين واجباتها الفعلية في سبيل تامين استقرار مواطنيها المعيشية؟! وهل فقط على التاجر ان يتحمل كل هذه الموبقات وفواتير الاستحقاق مضافا إليها رواتب موظفيه ومستحقات الضراىب والزكاة عليهم؟!
أليس هناك واجبات حتمية على الدولة واجهزتها يجب القيام بها خاصة في ظل ( العدوان والحصار) ؟ ام أن مهمة الدولة هي تجريد ( القطاع الخاص) من كل مقوماته وفرض الإفلاس القهري عليه ومن ثم تركه وموظفيه وعماله يبكرون يتسولون بالجولات او امام المنظمات الاغاثية الاجنبية؟! او إجبار القطاع الخاص على اغلاق ابوابه وتسريح الاف من عماله وموظفيه ليشكلوا لاحقا جيشا من العاطلين او من ( الإرهابين) وهذا ليس بعيدا..؟!
إذا دلوني عن اي عقلية هذه التي تقوم برفع الضرائب والجمارك وتمارس كل صنوف الجبايات والابتزاز دون ضابط او قانون والبلاد واقعة في حالة ( عدوان وحصار) وضروف اقتصادية ومعيشية قاهرة، فلا رواتب ولا اعمال ولا انشطة اقتصادية طبيعية، ومع ذلك يصر صناع القرار على التعامل مع كل هذه الاوضاع وكان لا شيء يحدث في البلاد او لكأن الحياة طبيعية وعجلة الاقتصاد والتنمية تدور باقصى سرعتها والناس في بحبوحة واستقرار وطمانئنة..؟!!
نعم من حق الدولة والحكومة واجهزتها ضبط الاسعار ومنع الاحتكارات وتحقيق السكينة والاستقرار المعيشي لمواطنيها ولكن عليها ان تحقق كل هذا بطرق عادلة وليس على حساب اهم شريحة اقتصادية وتنموية في البلاد.. يجب على الدولة تحقيق الاستقرار المعيشي ولكن من خلال تقديم التسهيلات للقطاع الخاص ورعايته وتمكينه من القيام بدوره على قاعدة لا ضر ولا ضرار، لا بدفعه نحو الإفلاس او الاغلاق القسري والقهري..؟!
ان واجب الدولة واجهزتها تقديم المبادرات والتسهيلات والتنازل عن بعض حقوقها كدولة وهذا واجب حتمي عليها فكل دول العالم تحرص وقت الازمات والكوارث على رعاية قطاعات الاقتصاد والتنمية وتقديم كل الدعم المادي والمعنوي له، إلا في بلادنا حيث الدولة تريد حقها كاملا وبزيادة ثم تطلب من الاخرين التضحية والتنازل من اجل استقرار نظامها ونجاح سياستها الكارثية والمدمرة لكل الظواهر الجميلة في حياة مواطنيها ؟!!
واجب الدولة واجهزتها وقف ومنع ظاهرة الإتاوات والجبايات الغير مشروعة وسياسة الابتزاز على الاقل خلال فترة الحرب والحصار.. أليس هذا اقل واجب يفترض ان تقوم به الدولة؟
كيف لتاجر تكلفه السلعة مثلا ( 100) ريال ثم تاتي الدولة وتفرض عليه ان يبيعها للمستهلك ب 80 ريال..؟!
اي منطق استلابي هذا؟! ومن يمكنه القبول به او العمل بموجبه؟!
ان ثمة سلوكيات تمارس نراها انها سلوكيات إنتقامية لا تعبر عن سياسة دولة ولا عن رؤى اقتصادية وتنموية بل هي العبث بابشع صوره وربما تجاوزت سياسة ( قراقوش) العبثية..؟!
فهل هناك ثمة عقلاء يدركوا ان مثل هذه الممارسات الكيدية والعبثية والاستهدافية ليست في صالح الدولة ولا في خدمة اهدافها وتتنافي مع كل القيم والشعارات التي يرددها مسئولي الدولة ورموزها في خطاباتهم الجماهيرية عن التلاحم الاجتماعي والوحدة الوطنية والاصطفاف في مواجهة العدوان وكسر الحصار؟!
ام ان هناك ثمة ثقافة غير معلنة تستهدف كل ما نماء في الماضي يجب مصادرته وتدميره والتخلص منه..؟!
[email protected]