ريمان برس -
يا صديقي العزيز، يا من غاب عن ناظرينا ولم يغب عن قلوبنا، كيف للقلم أن يخطّ مرثية تليق بمقامك، وأنت الذي كنت للحياة معناها، وللكلمة جمالها، وللناس عوناً وسنداً؟ كيف أستجمع الحروف لأروي سيرتك، وأنت الذي كنت الرواية التي تقرأها الأجيال وتجد فيها عبق الحب والتفاني والنبل؟
لقد كنتَ يا صديقي كالشجرة الوارفة، تستظل بك الأرواح العطشى للعدل، وتجد في ظلك النفوس السكينة والراحة. كنت رمز الكرم الذي لا ينضب، والتواضع الذي يُعلّم الكبار والصغار كيف يكون العطاء بلا منّة. كنت الأديب الذي يسكن الشعر بين أنامله، فتخرج أبياته كأنها ماء زلال، تُروى بها الأرواح العطشى للمعاني السامية. وكنت نائباً ومسؤولاً سياسياً، ولكنك قبل ذلك كنت ابن الناس، صوتهم الذي لا يخبو، وأملهم الذي لا ينكسر.
يا صديق العمر، ما رحيلك إلا انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء، وما تركت خلفك إلا إرثاً عظيماً يواصل أبناءك الكرام حمله. لقد غرست في قلوبهم حب الناس، وخدمة المظلوم، والسعي نحو بناء وطنٍ تزدهر فيه القيم التي آمنت بها ودافعت عنها. أبناءك، هؤلاء الأحبة، هم امتدادك الذي لن ينقطع، هم الورثة الحقيقيون لإرثك العظيم، يسيرون على خطاك في خدمة الناس ومداواة الجراح.
إنَّ ذكراك يا صديقي ليست مجرد ذكرى نمر بها، بل شعلة مضيئة تُنير طريقنا كلما أظلمت علينا الحياة. كنت للحياة قصيدة من الحب، وكنت للناس شجرة من العطاء، وها نحن اليوم، بعد رحيلك، نحمل في قلوبنا كلماتك وأفعالك، ونسير بها نحو غدٍ أفضل.
وداعاً يا من كنتَ أديباً وشاعراً، نائباً وإنساناً، أباً وأخاً وصديقاً. وداعاً يا من كنت أكبر من الحياة، لأنك كنت عنوانها الأسمى. نم قرير العين، فقد تركت خلفك رجالاً يواصلون المسير، وأرواحاً تتذكرك بكل فخر.
رحمك الله بواسع رحمته، وجعل مثواك الجنة، وجعل منّا شهوداً على فضلك الذي لن ينساه الزمن، وعلى محبة الناس التي ستبقى شاهداً على نقاء قلبك وسمو روحك.
أخوك ومعزك / نبيل سفيان |