ريمان برس -
على مدى أربعين عاما أنهمكت في الكتابة السياسية غير اني اعتقد أن هذه الكتابة تجبرني قهرا وقسرا _اليوم _الابتعاد عنها لبعض الوقت حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ويطلع فجر المرحلة الذي سيبدد قتامة اللحظة وطنيا وقوميا، وعليه قررت أن أتناول جانب مهم من أهم جوانب حياتنا وهو الجانب الفني والإبداعي الذي ابدعه عمالقة الفن والأدب في بلادنا وأخص بالذكر هنا الاستاذين الفاضلين أيوب طارش وعبد الباسط عبسي وسأتناول هنا إبداع الاستاذ عبد الباسط الذي اتحفنا بانغام وكلمات نحتت في وجداننا والذاكرة، أنغام أبدعها بلبلنا الشادي ومنها تعلمنا حب الأرض والأسرة وحب الوطن، أنغام علمتنا الكثير من القيم والأخلاقيات ونقلت حقيقة واقعنا في الريف والمدينة كما نقلت معاناة الفلاح والعامل والموظف والطالب والإنسان اليمني في كل جغرافية الوطن.. وقدمت لنا وللأجيال توثيق متكامل عن مراحل تحولات نا الاجتماعية والسياسية والثقافية وتطورنا الحضاري.. أغاني اتحفنا بها استاذنا عبد الباسط تعلمنا منها كيفية مقاومة القهر والظلم والتعسف والاستبداد، كما علمتنا كيف نحب، وكيف نتمسك بقيمنا، وكيف نحافظ على ترابطنا الاسري، ونتمسك باخلاقياتنا، وأن نقاوم الظلم بالحب حينا وبالثورة احيانا، وهنا أجدني أقف أمام اغنية (وراعية) من كلمات الاستاذ سلطان الصريمي _شفاه الله واطال بعمره _والحان وغناء الاستاذ عبد الباسط وفيها ما يمكن اعتباره دعوة صريحة للمظلومين ليثوروا ضد الظلم، هذه الأغنية ورغم سنوات عمرها غير إنها لاتزل تجسد واقعا نعيشه _اليوم _ وتحاكي كلماتها معاناة شعب لايزل يعيش تحت راية القهر والحاجة والاستبداد..!
لست ناقدا فنيا ولا متخصص في الكتابة الفنية لكن أجد نفسي ومنذ تفتق فكري اسيرا لأنغام وأغاني الاستاذين أيوب وعبد الباسط وأذوب عشقا في اغانيهما كلمات ولحن وأداء ومعهما اعيش في لحظات أفراحي وأحزاني ومعهما أجد نفسي طائرة مع انغامهما بغض النظر أن كنت اعيش لحظات الفرح أو لحظات الحزن.
الأساتذة أيوب وعبد الباسط عبسي لم يقف فنهما وأبداعهما في نطاق الإبداع الفني، بل معهم نقلونا إلى عالم التصوف عن طريق الفن، من خلال أبداعهما الفني الذي تعلمنا منه حب الله والرسول وحب العدل والزهد والحرية وحب الوطن الأرض والإنسان، علمونا كيف نرتبط بالقرية والريف الذي خرجنا منه، وعلمونا كيف نحافظ على جذورنا مهما بلغت مكانتنا في المدينة، وعلمونا أن التطور والتقدم وصخب المدينة وحياة الرفاهية في المدن يجب أن لا تنسينا جذورنا الريفية، وكما تغزلت أنغامهم بالوطن والحرية والعدالة، نقلوا بأمانة كل معاناة الريف وضروفه ومعاناة أهله وقدموها بانغام شجية ساحرة نالت إعجاب المهتمين في الأدب التراثي الإنساني نموذج اغنية أو ملحمة (مسعود هجر) للكاتب الاستاذ سلطان الصريمي التي لحنها وغناها فنانا المبدع الاستاذ عبد الباسط عبسي التي استعرضت معاناة المرأة الريفية، ومرارة حياتها اليومية وهجرة الحبيب طلبا للرزق في بلاد الغربة، هذه الملحمة التي عكست حروفها معاناة المرإة اليمنية وقدمت صورة كاملة عن حياتها والواقع الذي تعيشه.. أغنية اجدني كلما اسمعها اتذكر (أمي) ونسوان قريتي ومعاناتهن من فراق احبابهن في بلدان المهجر، واتذكر حين كان والدي يعمل ( طبل، أو جمال) ينقل الرسائل من أهالي القرية إلى احبابهم في المدينة وينقل من المدينة رسائل إلى القرية وكنت متخصص بكتابة الرسائل لنساء وأهالي قريتي إلى احبابهم في المدينة ولا أزل اتذكر مشاهد الدموع وهي تذرف من عيون بعض النسوة زوجات وامهات وهن يملين لي كلمات الشوق والعتاب والأمنيات من الله بأن يوفقهم ويعيدهم سالمين غانمين، حتى تمكنت من استيعاب مشاعر وأشواق تلك الأسر واشتهرت في القرية باني احسن من يخط الرسائل للمغتربين، واعبر لهم عن مشاعر اسرهم، حتى صرت أجيد صياغة الرسائل أن كانت من الزوجة لزوجها أو من الام لابنها، أو من الوالد لولده، لدرجة لم أكن احتاج أن أسأل من أصحاب الرسالة الي ما يتعلق بالمعلومات المهمة المراد تدوينها فيما التعبير عن الاشواق كنت أسطرها بطريقة تسعد المرسل والمتلقي.
اغاني الاستاذ عبد الباسط حتى اليوم كلما اسمعها تعيد ذاكرتي لذلك الزمن و حيث اكون تعيدنا إلى جذوري وأن بخيالي وافكاري ومشاعري، إنها الزاد الذي يروي الحنين ويقوي النفس على مواجهة تحديات الحاضر وتداعياته.
يتبع |