ريمان برس - خاص -
منذ تفجرت الأزمة اليمنية، ثم تلاء الأزمة حرب داخلية وعدوان خارجي، بدأت ملامح المؤامرة التي تستهدف اليمن الأرض والإنسان والقدرات الاقتصادية تتشكل معالمها عبر سلسلة استهدافات طالت كل مقومات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والحضارية، كل شيء مكتسب حققه الشعب اليمني خلال عقود من التحولات وكان مصدر تفاخر وطني رسمي وشعبي تم استهدافه خلال سنوات الحرب والعدوان، فيما أطراف الصراع المحلي راحوا بدورهم كل بطريق جاعلين كل مقومات الحياة عرضة للمساومة والاستهداف لم يلتزموا بأخلاقيات الحروب ولا بقوانين الصراع فاعطوا العدو الخارجي الذرائع والمبررات لاستهداف كل مقومات الحياة وأخطر مظاهر الاستهداف هي استهداف منشأت البني التحتية ذات الطابع الخدمي التي تقدم خدماتها للشعب كل الشعب، والأمر الأخر استهداف المكونات الاقتصادية والمصرفية التي هي الأخرى مسخرة لخدمة الشعب كل الشعب، والمؤسف انه وبين استهداف البني التحتية الخدمية العامة، واستهداف المكونات الاقتصادية والمصرفية الخاصة ، بدت الصورة وكأن المؤامرة لا تنحصر في جدلية الصراع بين (سلطة أمر واقع) كما توصف به حكومة صنعاء و(سلطة الشرعية) كما يوصف بها الطرف الأخر في الصراع الذي بدوره يعاني من وجود مكونات إنقسامية متعددة الأهداف والولاءات والرغبات، وبين أطراف خارجية إقليمية ودولية لكل طرف من أطرافها أهدافه في اليمن..؟!
بل تشير كل المعطيات أن هناك أهداف أخرى أكثر بعدا وأكثر خطورة على الوجود الوطني بكل مقوماته الحضارية، وأخطار محدقة تستهدف حاضر ومستقبل اليمن بل وتستهدف وجوده الحضاري وكل مقوماته العامة والخاصة، وعلى مختلف المستويات.
المجموعات الاقتصادية والمصرفية الوطنية هي الأخرى وجدت نفسها في دائرة الاستهداف وأصبحت ُتعامل وكأنها أهداف عسكرية، وضربات مؤسفة وجهت لهذه المكونات الاقتصادية الوطنية التي لا تعود ملكيتها لأي طرف من أطراف الصراع، بل هي ملك لمواطنيين يمنيين عانوا الأمرين وذاقوا مرارة الجهاد في سبيل إنشائها ليقدموا من خلالها خدماتهم للشعب والوطن، إستجابة لكل الشعارات التي راجت خال العقود المنصرمة عن الحرية والإنفتاح والعولمة وحرية التجارة والألتحام مع الآخر الحضاري، والمؤسف إنه وما أن بدت الصراعات بين النخب السياسية كانت هذه المكونات الاقتصادية والمصرفية التي تؤدي أدوارا خدمية، اقول وجدت هذه المكونات نفسها في معترك الصراع وفي طليعة الأهداف المستهدفة من قبل كل أطراف الصراع دون إستثناء، في سلوك ينفي كل ما تم تسويقه من شعارات عن حرية التجارة والاقتصاد، وتحولت هذه المنشأت الخاصة الي ( أهداف عسكرية) يطالها القصف من كل الاتجاهات، إذ لم تسلم هذه المنشأة من التصرفات الحمقى لأطراف الصراع الداخلي قبل أن تجد نفسها هدفا لأطراف العدوان الخارجي تقصف بأجراءات ظالمة كما يقصف أي موقع عسكري..؟!
القرارات العقابية الأخيرة التي صدرت بحق قيادات في بنك اليمن الدولي طالت رئيس مجلس الإدارة الاستاذ كمال الجبري، والمدير التنفيذي للبنك الأستاذ أحمد ثابت العبسي، ونائبه الاستاذ عبد القادر على بازرعة، هذه الإجراءات التي قطعا لا تأثير لها لكنها في عالم اليوم في ظل غطرسة عالمية تمارسها أمريكا بمثابة محاولة (اغتيال معنوي) تستهدف هؤلاء الرموز الوطنية الذين يعتبرون من الخبراء القليلين في مجال الاقتصاد المصرفي، وهذا الإجراء لم يكن الأول من نوعه الذي لجأت إليه واشنطن ضد القطاعات الاقتصادية والمصرفية اليمنية بل سبق ذلك سلسلة من الإجراءات طالت العديد من المكونات الاقتصادية والمصرفية ورجال أعمال في مختلف المجالات الاقتصادية، في محاولة لتضييق الخناق على المواطن اليمني بدرجة اساسية، ثم يقال أن هذه الإجراءات تأتي لمساعدة الشعب اليمني وتحربره كما يقال من (سلطة الانقلاب) فيما يرحب الطرف الأخر بهذه الإجراءات بكثير من الغباء وكأنه يتلذذ بمعاناة قطاع واسع من أبناء الوطن؟!
المؤسف أن هذه الإجراءات الإستهدافية ضد القطاعات الاقتصادية والمصرفية، انهالت عليها من كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، فلا هي سلمت في صنعاء من سطوة (سلطة الامر الواقع) ولا هي سلمت في عدن من سطوة (سلطة الشرعية) ولا هي سلمت من سطوة الإجراءات العقابية التي طالتها من جهات خارجية إقليمية ودولية..؟!
جميعنا يعرف إنه سبق وأن تم اعتقال المدير التنفيدي لبنك اليمن الدولي الاستاذ أحمد ثابت العبسي لعدة شهور من قبل (سلطة صنعاء) الذي جاءت إجراءات أمريكا الأخيرة ضده بتهمة التعاون معها..؟!
ذات الإجراءات الإستهدافية طالت ( بنك التضامن الدولي) وبنوك وطنية أخرى، كما طالت ( مجموعة شركات المرحوم هائل سعيد أنعم،) ومن قبل الجميع في الداخل والخارج، بصورة توحي بأن الصراع ليس صراع نخبوي بين أطرافه المتصارعة على شرعية السلطة والنفوذ، بل أن الصراع يتجاوز كل ذلك إلى تدمير كل قدرات الوطن والشعب بما في ذلك ( القطاع الخاص) الذي زج به في معركة تصفية الحسابات الداخلية والخارجية وكأن المطلوب تدمير هذه المكونات الاقتصادية الوطنية ومن ثم استبدالها بأخرى، أو تقليص نشاطها لصالح مرافق مماثلة أخرى، مع ان المفترض أن يكون هناك فصل بين أنشطة هذه المرافق التي يجب حمايتها وحماية رموزها من قبل كل الأطراف المتصارعة الذي كان عليهم ان لا يسمحوا لأي جهة خارجية في استهداف هذه المرافق طالما وهي مرافق خاصة لا تعود ملكيتها للدولة حتى تدخل في أجندات أطراف الصراع المحلي، وليتذكر الجميع أن الحرب اللبنانية دامت من عام 1975_حتي عام 1990م وطيلة هذه الفترة من الحرب والدمار والفوضى والانقسام، لم يستهدف أي مصرف لبناني ولم تستهدف أي منشأة اقتصادية لبنانية، بل ظلوا جميعا يقدمون خدماتهم لكل أطراف الصراع دون إستثناء، الأمر ذاته حدث في (رواندا) والحرب الطائفية التي دارت بن (الهوتو والتوتستي) وراح صحيتها الملايين، لم يحدث فيها للقطاعات الاقتصادية والمصرفية ما يحدث اليوم في بلادنا التي يستهدف فيها العام والخاص ويعاقب فيها البريء قبل المتهم وكأن المطلوب إغلاق وتوقيف كل المنشأة الخدمية الخاصة والعامة ومن لم تقبل منها الاستهداف يجب تدميرها بقرارات عقابية وحصار وتشويه سمعة ومكانة ودور خدمي ..؟! |