ريمان برس -
رحل أخر الهامات الوطنية، رحل أخر عظماء الكلمة، رحل شاعر الحب والثورة، رحل عاشق الوطن.. عاشق الأرض والإنسان.. رحل عن دنيانا رجل الملاحم الوطنية، رحل الناطق بأسم الفقراء وناقل معاناتهم، رحل لسان حال البؤساء والمقهورين، رحل ناقل أهات ومعاناة بسطاء القرية وفلاحيها.. رحل من ترجم أهات ومعاناة البسطاء في قرآنا وعلى أمتداد وطننا، وحولها إلى قصائد وأغاني، رحل من حول حسرات البسطاء في بلادي إلى صرخات في وجوه الطغاة.. رحل من ترجم أنين الضعفاء إلى ملاحم وطنية.. رحل صاحب ملحمة (نشوان) و(مسعود هجر).. رحل المناضل والمفكر والإنسان الشاعر المرهف والمثقف الاجتماعي، من ترجم حياة أبناء وطنه وصنع منها معاجم أدبية.. رحل الرفيق والسياسي العضوي سلطان الصريمي بعد رحلة نضالية ممتدة من لحظة قهر وتخلف الي لحظة وعي، وعي جماهيري أوجده سلطان من أهات وانين البسطاء الذين حول سلطان قهرهم إلى ثورة وأنينهم إلى صرخات..
بين ملحمة (نشوان) التي حملت معاناة وطن بما فيه فكانت بمثابة معجم تاريخي دونت في فقرأتها حكاية وطن وتطلعات شعب.. وبين ملحمة (مسعود هجر) التي حملت حروفها حكاية عاشها مجتمعنا وعاشتها المرأة اليمنية التي كانت ولاتزال عنوان العفة والصبر والوفاء والاخلاص، في ( مسعود هجر) اعطاء شاعرنا ومناضلنا وأديب الوطن ورفيق الناس ومترجم مشاعرهم والمعبر عنها، قدم أعظم شهادة أدبية وفكرية للمرأة اليمنية وجعل منها رفيقه والبلبل المغرد في سماء الوطن ، الذي قدم لنا أعمال الراحل بصورة فنيه وثقها بصوته الشجي وبالحانه الرائعة وجعلها جزءا من ثقافتنا التاريخية وسيرة حياتنا وهويتنا الاجتماعية..
سلطان الصريمي.. رحل عنا بجسده، لكنه الخالد فينا بسيرته وأدبه وثقافته واعماله الخالدة نثرا ومغنا وكتيبات تحمل في بطونها ملاحم رجل عظيم بسيرته وفكره وثقافته، رجل أنهمك في هموم الناس فكان جزءا منهم، حاضرا في تفاصيل حياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية.. رجل استثنائي كان في حياته النضالية، رجل أتخذ من الكلمة (سلاحا) ومن الحرف (طلقة رصاص)، رجل أرعب الطغاة بحروفه ولم يترددوا في مطاردته بل والزج به في زنزانيهم المعتمة، ورغم ذلك جعل من الزنزانة دوحة للتأمل والإبداع ومن الزنزانة قال
(وراعية غني وشلي بالدان،
ما تنفع الطاعة ولا التمسكان..
وسلمي على نقم وشمسان
سلام دامٍ من بتول مهتان..)
كانت صرخة للثورة لمقاومة طغيان الطغاة، ورفض كل أشكال الظلم والقهر الاجتماعي.
سلطان الصريمي.. من أولئك الذين قال فيهم المناضل الشهيد الرئيس عبد الفتاح إسماعيل ( إننا لا نحزن على عنا ولكنهم أحياء بيننا، لكنا نحزن على منهم أحياء ولكنهم أمواتا)..
سلطان الصريمي.. الراحل الذي لا يموت بل هو الباقي حيا بيننا، حيا بما ترك لنا من أفكار تنير لنا دروب الخير، دروب الحب والمحبة والمودة والتسامح.. ترك لنا إرث ثقافي وأدبي وفكري وفني، إرث سنظل نتزود منه، ومنه نغذي عقولنا وافكارنا وأرواحنا، وبعدنا سيظل ابنائنا واحفادنا، واحفادهم يغترفون من بحر الصريمي ما يغذي عقولهم وأفكارهم وينير لهم دروب الحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وتلكم أهداف كانت غاية الراحل وهدفه.
السكينة والخلود لشاعر الحرية والثورة والحب والعدالة الاجتماعية، السكينة والخلود للرفيق والمناضل والأديب والمثقف العضوي الشاعر سلطان الصريمي، سائلا الله أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة ويسكنه جنات الفردوس الأعلى مع الأنبياء والرسل والشهداء وحسن أولئك رفيقا..
وخالص عزائي أتقدم بها للأخ غسان سلطان وإخوانه وجميع افراد أسرته الكريمة، ولكل أصدقاء الراحل ومحبيه وأخص بالذكر هناء الأخوين الأعزاء الاستاذ الكبير أيوب طارش عبسي، والأستاذ الفاضل عبد الباسط عبسي والأخ طارق سعد وكل محبي الفقيد الذي عزائنا عن غيابه إنه ترك لنا الكثير من إبداعه ما يجعله دوما حاضرا لا يغيب عن وجداننا والذاكرة.
صنعاء في 31 ديسمبر 2024م |