ريمان برس -
تتوالى السنوات تباعا، تمر على دنيتي الأيام والشهور والسنين، وأنا لا زلت أعيش أحلام الأمس والسنين الماضية، صارت احلامنا هي الحقائق التي نعيشها، فيما الحقائق تبخرت منا وذهبت بعيدا هناااك عند حمران العيون..!
تتوالى سنوات العمر والحلم لايزل يسكن الذاكرة، حتى حين أصبح هدف الحلم سرابا، ظل الحلم عالقا في الذاكرة..؟!
ماذا جنينا في رحلة العمر هذه؟ رحلة منجزاتها القهر، والبؤس، والحاجة وذل السؤال؟
رحلة عمر مضنية، لم تعرف معنى للحياة، ولم تذق لحظة طعم الأمان..!
سنوات تتوالى بأحداثها، ومتواليات القهر ترافقها كأبرز منجزاتها..؟!
لست متشائما فيما أقول، أكثر من تشاؤمي فيما أنا فيه..!
قبل أن يكتمل _ العقد الأول_ من عمري غادرت ( حضن أمي) وها انا في_ العقد السابع _في رحلتي لم أحقق خلال رحلة تيهي شيئا سوي إنني فقدة _حضن امي _وحرمت منه مبكرا وقبل الآوان ، وكأن الحرمان قدر مكتوب، لي ولأمثالي ممن راودتهم الأحلام الكبيرة التي لم تكن سوي (سراب) كلما توهمت إنك اقتربت منه، زاد إبتعادا عنك..!
رحلة عمر لم نجني منها سوي القهر، القهر على كل شيء ومن كل شيء..!
رحلة تيه كانت ولاتزال تطوي حبالها حول اعناقنا دون أن تمنحنا حق الطمأنينة والاستقرار والشعور بالأمان..!
الأمان الذي فقده الوطن وفقدناه قبل ذلك بأسم أمن الوطن..!
في بداية الرحلة كان الوطن غاية وهدف وهو من سيطر على احلامنا، أنجرفنا بكثير من الحماس والأمل، ولم نتردد في اقتفاء أثر رموزا أقتفوا بدورهم أثر الأنبياء والصالحين، علمونا الزهد والإيثار وتعلمنا منهم أبجدية الحب للوطن والأمة، الوطن الذي قابلنا بحب أخر، هو حب إخوة يوسف ليوسف، الذي وجد من ينتشله من الجب، لكنا لم نجد من ينتشلنا من ( اقبية الزنازين) أو ينقذ ما يمكن إنقاذه من ( مقصلة الجلاد) فأصبح الوطن هو الجب لكن لا قافلة تكترث بمن فيه..؟!
فيما الأمة قابلت هذا الحب على طريقة حب (فرعون) لزوجته (اسيا)..؟!
أعرف أن (يوسف) عبرا عن رؤياه و(اسيا) ضمنت لنفسها قصرا في الجنة، لكنا اقتفينا أثر ( فقراء اليهود، الذين لا ذاقوا مرق الدنيا ولا خمر الأخرة) أو هكذا تبدو حتمية الرحلة العبثية، ولما لا..؟
أن كنا نعيش في وطن هو عبارة عن إقطاعية مملوكة للقلة النافذة دون الغالبية المقهورة التي تكتوي بسفود القهر والتعاسة وتتجرع البؤس اليومي وكأنه لها في منزلة (المن والسلوى)..؟!
في الأمة أصبحت مرتعا للعبث و( غانية في ملهي ماجن) كل من فيه يبحثون عن المتعة والاضطجاع إلى جوارها والتمتع بجسدها المثير للغرائز..؟!
لست وحيدا في هذا المسار، بل معي غالبية أبناء المجتمع الذين حلموا مثلي فتبخرت أحلامهم..!
ويبقى السؤال هو ماذا بعد..؟ وماذا تخبيء لنا الأقدار فيما بقي من رحلة تيه نعيشها ونصطلي بسفود أزماتها الملتهبة..؟!
وأهم من يسوق مزيدا من مفردات التفاؤل وعبارات الأمل بالقادم، لأن كل ما هو أتٍ لن يكون سوي أشد قتامة مما مضى، بدليل أن البدايات كانت اكثر ودية مما هو حاصل وأن متواليات الأحداث علمتنا أن الأمس كان أفضل من اليوم وأن اليوم هي أفضل من الغد..؟!
كما أن قيم الأمس أكثر رقيا منها اليوم، وما سيأتي في الغد سيكون أسوي، لأن الوطن لم يعد حلما كما كان بعد ما أصبح كابوسا والعيش في كنفه أصبح حق لمن يستطيع إليه سبيلا، و ( القلة النافذة) فقط هي من تستطيع العيش في هذه الاقطاعية المسمى مجازا وطن، قلة لم تعشق يوما وطنا بل عشقت فيه (السلطة والثروة) قلة لم تحلم يوما بالحرية ولا بالعدالة ولا بمواطنة متساوية، ولا بكرامة مواطن أو بسيادة وطن، بقدر ما حلمت بالسلطة والثروة والنفوذ، قلة تستميت من أجل السيادة والنفوذ، ويتغير النافذين تباعا لكن كل من يصل السلطة يحرص على إبقاء كل الموبقات ومظاهر القهر والتعسف والاستبداد، لأنها سلاحه لديمومة التسلط وتركيع الغالبية، يحافظون على كل تراث الماضي البغيض، الذي ترى فيه قوي النفوذ أهم ضمانات ديمومة تسلطها..!
إذا ما جدوى هذه الرحلة العمرية التي أخفقت في تحقيق ذات أصحابها، ولم تعطي الوطن إلا المزيد من طوابير القهر والبؤس،الذين أصبحوا مجرد وقودا لمحارق النافذين، المتصارعين فيما بينهم على شرعية إستبداد الوطن والمواطن..
عام جديد من القهر.. عاما جديد من التيه اللامتناهي.!
صنعاء فجر 1 ينائر 2025م |